فرق بينه وبينهم في شىءٍ يميّزه عنهم، ولا يمكن أن ننسى موقفه من أحد الذين تولّوا إفريقية والمغرب بعد عزله، والذي أراد أن يتميّز حُرّاسه على سائر المسلمين بعلامات خاصة وشارات معيّنة، فاستنكر عبد الله هذا التمييز، وضحّى بحياته من أجل استنكاره، فإذا لم يكن هو الذي قاد حملة الاستنكار التي أدّت إلى قتل ذلك الوالي، فهو على الأقل كان من أبرز قادة تلك الحملة.
وكان يؤمن بمبدأ: الشورى، فيستشير ذوي الرأي من رجاله في كل مشكلة تصادفه، ويتعاون معهم في إيجاد الحل الناجع لها.
تلك هي مجمل مزايا عبد الله قائداً، ويبدو أن عبد الله شُغل في أيام والده بأمور إفريقية والمغرب الإدارية، فشغلته أمورها عن التفرّغ للفتح، وكان موضع ثقة أبيه موسى الكاملة، فلم يستطع أبوه موسى أن يوكل أمر إفريقية والمغرب إلى غيره، فوجّه طاقاته كلها في عمله والياً، وتفرع تقريباً تفرغاً كاملاً لهذا الواجب الإداري.
وفتوحه في البر والبحر، على أهميتها لحاضر إفريقية والمغرب ومستقبلها، إلاّ أنها كانت قليلة جداً بالنسبة لكفاياته القيادية، فهي ومضات ساطعة ولكنها متقطعة، أظهرت شيئاً من كفاياته القيادية ومزاياه، دون أن تُظهر تلك الكفايات والمزايا كاملة، في فتوحات كثيرة مستدامة، وفي انتصارات عديدة مؤزّرة.
ولم يكن وضعه النفسي مريحاً، بعد رحيل أبيه موسى إلى دمشق، وبعد أن انكشف أمر أبيه موسى في اضطهاده من الخلافة، وأن موسى وأبناءه أصبحوا من المغضوب عليهم من السلطة الحاكمة، وأصبحوا في ذمّة التاريخ، فجمّد طاقاته انتظاراً لمستقبل مجهول، لا يكون لصالحه على كل حال.
إن ظروف عبد الله، لم تُتِح له استغلال كفاياته قائداً كما ينبغي، وما كان ليستطيع غيره من القادة، في مثل ظروفه التي عاناها، في عهد أبيه موسى وبعد رحيل أبيه، أن يُنجز أفضل مما أنجزه عبد الله في مجال الفتوح، فقد أصبح رغم إرادته والياً، وكان يتمنّى أن يكون غازياً، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
ومهما قيل في ظروفه التي شغلته حيناً، وأقلقته حيناً، وصرفته عن العمل