للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الأبد أسيراً إلى حلفائه النصارى، مثلما كان يفعل أسلافه زعماء الطوائف، بل كانت تحدوه قبل كل شىء رغبة في الاستقلال، والتوطد داخل إمارته المتواضعة. وقد لبث يعمل على تحقيق هذه الغاية في ولاية غرناطة والولايات المجاورة، وهو يصانع النصارى ويتجنّب الاشتباك معهم، ويشهد التهامهم لأشلاء الوطن الممزق، وقلبه يتفطر حزناً وأسىً.

على أن ابن الأحمر، لم يكن يعتزم المضي في ذلك المسلك المؤلم المهين إلى النهاية، فقد كانت نفسه الوثابة تحدثه. من وقت لآخر، بأن يحطم هذه الأغلال الشائنة التي صفّدته بها محالفة النصارى، وكان كلما آنس ازدياد قوته ورسوخ سلطانه، صلبت قناته وذكا عزمه. وكان يتجه ببصره إلى ما وراء البحر، إلى إخوانه في الدين في عدوة المغرب، وكانت حوادث المغرب تتمخض في ذلك الحين بالذات عن قيام دولة جديدة قوية هي دولة بني مرين الناشئة. ومع أن الكفاح بين دولة الموحدين المحتضرة وبين دولة بني مرين كان يحول دون إنجاد الأندلس بصورة فعالة، فإن كتائب المجاهدين من بني مرين والمتطوعة من أهل المغرب، لم تلبث أن هرعت إلى غوث الأندلس، وعبر القائد أبو معروف محمد بن إدريس عبد الحق المريني، وأخوه الفارس عامر البحر، في نحو ثلاثة آلاف مجاهد، جهزهم أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين. وكانت حوادث الأندلس المحزنة تحدث وقعها العميق في المغرب، وكانت رسائل الأندلس تترى إلى أمراء المغرب وأكابرهم بالصريخ مما تكابده من عدوان النصارى واستطالتهم، والاستنصار بأهل العدوة إخوانهم في الدين، وكان علماء المغرب وأدباؤها وخطباؤها وشعراؤها يبثون دعوة الغوث والإنجاد، ومن ذلك قصيدة مؤثرة وضعها أبو الحكم مالك بن المرحل، وقرئت في جامع القرويين بفاس في يوم جمعة من أيام سنة ٦٦٢ هـ، وبكى الناس تأثراً لسماعها، ومما جاء فيها:

استنصر الدين بكم فاستقدموا ... فإنكم إن تسلموه يسلم

لاذت بكم أندلس ناشرة ... برحم الدين ونعم الرحم

<<  <  ج: ص:  >  >>