للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسترحمتكم فارحموها إنه ... لا يرحم الرحمن مَن لا يرحم

ما هي إلاّ قطعة من أرضكم ... وأهلها منكم وأنتم منهمُ (١)

وكان لاهتمام المغرب بإنجاد الأندلس صداه، وكان ابن الأحمر في الوقت نفسه قد بدأ يشعر بمقدرته على مواجهة النصارى والخروج على طاعتهم، وحماية مملكته الفتية من عدوانهم. ولما فاتحه النصارى بالعدوان وغزوا أراضيه في سنة (٦٦٠ هـ - ١٢٦١ م) استطاع بمعاونة قوات من المتطوعين والمجاهدين الذين وفدوا من وراء البحر، أن يهزمهم وأن يردهم عن أراضيه، وبذلك ظهرت الأندلس على عدوّها في ميدان الحرب، لأول مرة منذ انهيار دولة الموحدين، ولما عبرت الكتائب المرينية بعد ذلك بقليل (٦٦٢ هـ)، استطاع قائدهم الفارس عامر بن إدريس، أن ينتزع مدينة شريش من يد النصارى ولكن لمدة قصيرة فقط (٢).

وقد كانت هذه بارقة أمل متواضعة، ولكن الحوادث ما لبثت أن تجهمت للأندلس مرة أخرى، ذلك أن ملك قشتالة الفونسو العاشر، خشي هذه المبادرة على خططه وغزواته، وخشي بالأخص أن تتضاعف الإمدادات من وراء البحر، فيشتد ساعد أمير غرناطة، ومن ثم فقد عوّل أن يضاعف أهبته وضغطه على القواعد الأندلسية الباقية. ففي أواخر سنة (٦٦٢ هـ - ١٢٦٣ م) نزل ابن يونس صاحب مدينة إستجة عنها إلى النصارى (٣)، ودخلها دون قائد القشتاليين، فأخرج أهلها المسلمين منها، وقتل وسبي كثيراً منهم. وفي العام التالي (٦٦٣ هـ) ظهرت نيات ملك قشتالة واضحة في العمل على الاستيلاء


(١) راجع الذخيرة السنية (١٠٨ - ١١٢) حيث يورد القصيدة بأكملها.
(٢) الذخيرة السنية (١١٢).
(٣) سبق أن أشرنا إلى سقوط إستجة في يد النصارى سنة (١٢٣٧ م)، أعني قبل ذلك بخمسة وعشرين عاماً، والظاهر أنّها بقيت خلال هذه المدة بيد حكامها المسلمين تحت حماية ملك قشتالة على نسق كثير من المدن الأندلسية الأخرى، التي لبثت حيناً بيد حكامها المسلمين بعد تسليمها صلحاً للنصارى.

<<  <  ج: ص:  >  >>