للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما بقي من القواعد الأندلسية، وسرى الخوف إلى نواحي الأندلس، وعادت الرسائل تترى إلى أمراء المغرب وزعمائه بالمبادرة إلى إمداد الأندلس وإغاثتها قبل أن يفوت الوقت، خصوصاً وقد بدأ عدوان النصارى يحدث أثره، وبدأت هزائم قوات ابن الأحمر في ذلك الوقت على يد دون نونيو دي لارا (دوننه) صهر ملك قشتالة وقائده الأكبر (٦٦٣ هـ- ١٢٦٤ م). وأعلن ابن الأحمر بيعته للملك المستنصر صاحب تونس، فبعث إليه المستنصر هدية ومالاً لمعاونته (١)، ولكن هذه المساعي لم تسفر عن نتيجة سريعة ناجعة، وبقيت الأندلس أعواماً أخرى تواجه عدوّها القوي بمفردها، وتتوجس من سوء المصير.

ولما تفاقم عدوان القشتاليين وضغطهم، لم ير ابن الأحمر مناصاً من أن يخطو خطوة جديدة في مهادنة ملك قشتالة ومصادقته، فنزل له في أواخر سنة (٦٦٥ هـ - ١٢٦٧ م) عن عدد كبير من البلاد والحصون، منها شريش والمدينة والقلعة وغيرها. وقيل: أن ما أعطاه ابن الأحمر يومئذ من البلاد والحصون المسوّرة للنصارى بلغ أكثر من مائة موضع، ومعظمها في غرب الأندلس (٢)، وبذا عقد السلم بين الفريقين مرة أخرى (٣).

وهكذا خسرت الأندلس معظم قواعدها التالدة في نحو ثلاثين سنة فقط، في وابل مروِّع من الأحداث والمحن، واستحال الوطن الأندلسي الذي كان قبل قرن فقط، يشغل نحو نصف الجزيرة الإسبانية، إلى رقعة متواضعة هي


(١) الذخيرة السنية (١٢٥).
(٢) أنظر الذخيرة السنية (١٢٧)، وقد سبق أن أشرنا إلى تنازل ابن الأحمر لملك قشتالة عن أرض الفرنتيرة، وفيها تقع شريش وقادس وغيرهما، ولكن هذا التنازل كان اسمياً، واضطر النصارى إلى الاستيلاء على هذه المدن بصورة فعلية، وكان سقوط شريش وقادس بيد الفونسو العاشر سنة ١٢٦٢ م، والظاهر أنّ المقصود هنا: هو مصادقة ابن الأحمر على استيلاء النصارى على هذه القواعد.
(٣) يضع ابن الخطيب تاريخ عقد ابن الأحمر الصلح مع النصارى للمرة الثانية في سنة ٦٦٢ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>