للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مملكة غرناطة (١).

وقضى ابن الأحمر الأعوام القليلة الباقية من حكمه، في توطيد مملكته وإصلاح شئونها، وكان منذ سنة (٦٦٢ هـ) قد أعلن البيعة بولاية العهد لمحمد أكبر أولاده، وبذلك أسبغ على رياسة بني نصر صفة الملوكية الوراثية (٢). ولم تقع في تلك الأيام حوادث ذات شأن، فقد لزم النصارى السكينة حيناً. ولكن ظهرت عندئذٍ أعراض الانتقاض على بني أشقيلولة أصهار بني الأحمر ومعاونيه، وكان ابن الأحمر قد زوّج في سنة (٦٦٤ هـ) إحدى بناته لابن عمه الرئيس أبي سعيد بن إسماعيل بن يوسف ووعده بولاية مالقة، فنمى ذلك إلى واليها أبي محمد بن أشقيلولة، وهو أيضاً زوج ابنته، فغضب لذلك، وأعلن العصيان والاستقلال بحكم المدينة، فسار ابن الأحمر لقتاله، تعاونه قوة من حلفائه النصارى، وحاصروا مالقة ثلاثة أشهر، ولكنهم ارتدّوا عنها خائبين (٦٦٥ هـ - ١٢٦٦ م). وعاد ابن الأحمر فسار إلى مالقة مرة أخرى سنة (٦٦٨ هـ) ولكنه لم ينل منها مأرباً (٣).

وفي تلك الآونة، عاد النصارى إلى التحرّش بالمملكة الإسلامية، وسار ملك قشتالة إلى الجزيرة الخضراء فعاث فيها فساداً، وعاد ابن الأحمر يتوجّس شراً من النصارى، فبعث إلى أمير المسلمين السلطان أبي يوسف المريني ملك المغرب يطلب منه الغوث والإنجاد، ولكن ابن الأحمر لم يعش ليرى نتيجة هذه الدعوة إذ توفي بعد ذلك بقليل.

وكان محمد بن الأحمر يتمتّع بخلال باهرة من الشجاعة والإقدام وشغف الجهاد، والمقدرة على التنظيم، وكان جمّ التواضع والبساطة. وكان يعرف بالشيخ ويلقَّب بأمير المسلمين، وهو اللّقب الذي غلب على سلاطين غرناطة فيما بعد. وهو الذي ابتنى حصن الحمراء الشهير، وجعله دار الملك، وجلب


(١) نهاية الأندلس (٤٠ - ٤٢).
(٢) الإحاطة (٢/ ٦٥) واللمحة البدرية (٣٦).
(٣) الذخيرة السنية (١٢٥ - ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>