للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من النصارى المقيمين في غرناطة. وفيما وراء البحر في بلاد المغرب، بل في الممالك الإسلامية الأخرى مثل مصر وتركيا وأرض الشام والجزيرة والعراق. على أن العوامل الاجتماعية والمحلية من جهة أخرى، كانت تحدث أثرها في مجتمع المدجنين. ذلك أنه بالرغم من جميع الفوارق التي كانت تفصل بينهم وبين النصارى، فقد جنح الكثير منهم إلى التشبه بجيرانهم، وانتهوا بمضي الزمن وأثر الاختلاط والتزاوج إلى فقد دينهم ولغتهم، ومميزاتهم الجنسية والقومية، والاندماج شيئاً فشيئاً في المجتمع الذي يعيشون فيه، وهكذا أصبحوا بالتدريج قشتاليين ونصارى، وأضحى علماؤهم يكتبون كتب الدين والشريعة بالقشتالية للرجوع إليها. وقام أيضاً بين المدجنين أدب قشتالي استمر عصوراً حتى بعد إخراج العرب المتنصرين من إسبانيا (١). على أن المدجنين لبثوا بالرغم من هذا الاندماج الاجتماعي تطبعهم مسحة خاصة تباعد بينهم وبين المجتمع النصراني القديم (٢).

كان نظائر هؤلاء الأندلسيين المدجنين، جمهرة من النصارى الإسبان، يعيشون في القواعد والثغور الإسلامية، ويعرفون بالنصارى المعاهدين أو المستعربين ( Mozarabes) ، وقد لبثوا عصوراً يتمتعون في ظل الحكم الإسلامي بضروب الرعاية والتسامح. وكانت الحكومات الأندلسية حتى في أزهى عصورها، تحافظ على سياسة التسامح التي اتبعت إزاءهم منذ الفتح، وتعاملهم بالرفق وتحترم شعائرهم الدينية وتقاليدهم القومية، وتتجنب أيّة محاولة لإرغامهم على اعتناق الإسلام. وكان من ضروب هذه الرعاية، أن أُنشئ في ظل حكومة قرطبة منذ عهد الحكم بن هشام، ديوان خاص للنظر


(١) المقصود هنا أدب الألخمارو Aljamiado، وهو عبارة عن كتابة اللغة القشتالية المحرفة بحروف عربية مشكّلة، وكان العرب المتنصرون يضطرون إلى كتابة كتبهم الدينية بهذه اللغة بعد أن حرمت عليهم لغتهم العربية.
(٢) Dr Lea: History of the Inquisition, v. pp. ٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>