للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في شئون أهل الذمة (النصارى ويهود) يتولاه كبير من الأحبار النصارى يطلق عليه: (قومس أهل الذمة). وهكذا استطاعوا دائماً أن يحتفظوا بدينهم ولغتهم، ومميزاتهم القومية والاجتماعية. وكانت حال النصارى في ظل الحكم الإسلامي، أفضل بكثير مما كانت عليه أيام القوط، وكثيراً ما كان يعهد إليهم بمناصب القيادة والوزارة، أو ينتظمون في البلاط والحرس الملكي. ومع ذلك فقد كانت منهم دائماً طوائف متعصبة تسيء استعمال هذا التسامح، وتحاول بمختلف الوسائل أن تكيد للإسلام ودولته، ومن ذلك ما حدث في عهد عبد الرحمن بن الحكم (أواسط القرن التاسع الميلادي) من الحوادث الدموية التي أثارها تعصب النصارى (١). وهكذا فإن النصارى المعاهدين، لم يشعروا دائماً بالولاء والإخلاص للدولة الإسلامية التي يعيشون في ظلها، والتي توليهم كثيراً من رعايتها ورفقها، وكانوا دائماً يتربّصون بها، وينتهزون الفرص لمناوأتها والكيد لها، ويستعدون عليها الوطن القديم، كلما اضطربت شئونها، وعصفت بها الثورة والحرب الأهلية. وكانت أعظم خيانة ارتكبوها من هذا النوع، في أواخر أيام المرابطين، حينما دعوا الفونسو الأول ملك أراغون - الملقب بالمحارب - عقب استيلائه على سرقسطة، إلى أن يسير إلى غزو الأندلس، بعد ما لاح من انحلال سلطان المرابطين فيها. واستجاب ملك أراغون لتحريضهم، وسار مخترقاً الأندلس بجيوشه، والنصارى والمعاهدون في كل قاعدة ينهضون إلى معاونته بوسائلهم، وذلك في سنة (٥١٩ هـ - ١١٢٥ م)، حتى انتهى إلى فحص غرناطة، وحاصرها حيناً، ثم غادرها إلى الجنوب، ونشب القتال بينه وبين المرابطين فهزمهم، ولبث حيناً يعبث في تلك الأنحاء، والنصارى المعاهدون يهرعون إلى شدّ أزره، ويمدّونه بالأقوات والمؤن. ثم عاد ثانية إلى الأندلس من أراغون، وقد انضم إلى جيشه آلاف من النصارى المعاهدين. ولفتت هذه


(١) محمد عبد الله عنّان - دولة الإسلام في الأندلس - ط٢ (٢٥٣ - ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>