الأندلس من خطر الفناء الذي كان يهدِّدها، من جرّاء تفرّق ملوك الطوائف. وكانت معركة الزلاقة تحمل في نظر المسلمين طابع الجهاد في سبيل الله، وتطبعها في نظر النصارى صبغة صليبية واضحة، ولم تكن نصراً للأندلس على إسبانيا فقط، بل كانت نصراً على النصرانية أيضاً. وكذلك كان نصر المسلمين أيام الموحِّدين في موقعة الأرك، ثم هزيمتهم بعد ذلك في موقعة العقاب، يحمل كلاهما من الجانبين هذا المعنى الديني العميق. ويجب أن نذكر أن الحروب الصليبية بدأت في المشرق بعد معركة الزلاّقة بقليل واستمرت تضطرم بين المسلمين والنصارى في مصر والشام زهاء قرنين. وبلغت ذروتها أيام الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي معاصر السلطان يعقوب المنصور الظافر في معركة الأرك. ولم يكن شك في أن النزعة الصليبية التي دفعت بجحافل الغرب إلى الشرق الإسلامي، كانت تحدث صداها قوياً في إسبانيا النصرانية وفي الغرب الإسلامي. وفي الوقت الذي كانت فيه جيوش الصليبيين تحاول أن تغزو مصر حصن الإسلام في المشرق أوائل القرن السابع الهجري، كانت قواعد الأندلس الكبيرة تسقط في أيدي النصارى، وكانت إسبانيا النصرانية تبدو يومئذٍ إزاء الأندلس موحّدة الرأي والقوى، كما كانت الجيوش الصليبية الأوروبية تسير إلى الشرق متحدة لتحقيق الغرض المنشود.
وقد ظهر صدى النزعة الصليبية في إسبانيا على شكل آخر، هو قيام الجماعات الدينية المحاربة. ونعرف أن جماعات الفرسان الدينية قامت في الشرق في ظل الصليبيين، واشتهر منهم بالأخص جماعة فرسان المعبد أو "الداويّة"، كما تسميهم الرواية العربية، وفرسان القديس يوحنا أو الأسبتارية. وكانت هذه الجماعات الدينية المحاربة، تشدّ أزر الأمراء النصارى وتؤدي للصليبيين أثناء السلم والحرب خدمات جليلة. وكما أن قيامها في المشرق كان أثراً من آثار المعارك الصليبية، فكذلك كان قيامها في إسبانيا كان أثراً من آثار الصراع بين النصرانية وبين الأندلس المسلمة، ذلك أن