بعض الفرسان والرهبان الورعين المتحمسين، كان يحزنهم تفرّق الملوك النصارى وتخاذلهم أحياناً في مقاتلة المسلمين، وكانوا يرون أنه لابدّ من قيام جماعات غيورة مخلصة من الفرسان، تنذر نفسها للدفاع عن الدين وعن الأراضي النصرانية. وكانت قدوتهم في ذلك جماعات المسلمين من أهل الثغور المرابطة، فقد كانت هذه الجماعات المجاهدة التي ترابط عند حدود الأراضي الإسلامية، تبدي في محاربة النصارى بسالة منقطعة النظير، وتؤدي للجيوش الإسلامية أجلّ الخدمات. فلما أنشئت جماعة فرسان المعبد (الداوية) في بيت المقدس سنة (١١١٩ م) عقب قيام المملكة اللاتينية بقليل، كان لقيامها صدى عظيم في إسبانيا، ولم تمض أعوام قلائل، حتى قامت أول جمعية دينية محاربة في أراغون على عهد الفونسو المحارب، في صورة فرع لجماعة فرسان المعبد، وأبدى الفونسو في تأييدها حماسة، وانتظم في سلكها الكونت ريموند برنجار أمير برشلونة، وأقطعت عدة حصون وأراض شاسعة على حدود أراغون، كما احتلت عدداً من الحصون في قشتالة، ونمت بسرعة، وأخذت تضطلع في ذلك الحين بدور مهم في سائر المواقع التي تنشب بين النصارى والمسلمين.
وقامت في قشتالة بعد ذلك بقليل، أعظم الجمعيات الدينية المحاربة، ففي أواخر عصر القيصر الفونسو ريموند (١) ملك قشتالة، قامت حوالي سنة (١١٥٠ م) جمعية فرسان دينية قوية في بعض أديار سُلنقة، وسميت بجمعية القديس يليان، ثم سميت بعد ذلك بجمعية فرسان القنطرة. وفي سنة (١١٥٨ م) قامت جمعية دينية محاربة أخرى، ربما كانت أشهر وأقوى جماعات الفرسان التي ظهرت في إسبانيا في هذا العصر، وهي (جمعية فرسان قلعة رباح)، ونشأت لأول أمرها على يد جماعة من الرهبان الذين أبلوا في الدفاع عن تلك القلعة الحصينة ضد المسلمين، واتخذت قلعة رباح مركزاً
(١) Alfonso Raimundez، وتعرفه الرواية الإسلامية باسم أدفنش بن رجند أو السُّليطين.