للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحربي يجري بين الفريقين من آونة إلى أخرى، حتى في تلك العصور التي مال فيها نجم الأندلس إلى الأفول، ولم تكن تحول دون عقده عوامل القومية والدين. وكانت العلاقات التجارية أيام السلم تجري بانتظام، وتنظّم بمعاهدات وديّة بين الفريقين، ومن ذلك معاهدة الصداقة والتحالف التي عقدها محمد بن يوسف ملك غرناطة مع مَرْتين ملك أراغون، لتنظيم العلاقات والمبادلات الحرّة، وتنظيم التحالف السياسي بين المملكتين (١).

ويجب ألاّ ننسى ما كان هناك من علاقات المودة والتفاهم بين جماعات الفرسان من الفريقين، وقد كانت الفروسية الإسبانية في العصور الوسطى، تقتبس كثيراً من تقاليد الفروسية الإسلامية وخلالها الرفيعة، وتنظر إليها بعين التقدير والاحترام. وكانت مباريات الفروسية تجمع بين أنبل الفرسان من الجانبين، وكانت كثيراً ما تعقد في العاصمة الإسلامية في جو من العطف والحماسة، ويهرع إلى شهودها ألوف من المسلمين والنصارى، وكانت هذه الاجتماعات المثالية التي تتسم بالبهجة والتي تجمع بين العنصرين الخصمين أبعد ما تكون عن الاعتبارات القومية والدينية، وقد كانت غرناطة التي اشتهرت بفروسيتها النبيلة البارعة، مسرحاً لكثير من هذه المباريات الشهيرة.

تلك هي الصورة المتباينة، التي تقدمها إلينا معركة السلطان والقوة، ومعركة الحياة والموت، والحرية والاستعباد، بين الأندلس المسلمة وإسبانيا النصرانية، ذلك أن بواعث الدين والقومية لم تكن دائماً كل شيء في هذا الصراع المضطرم الطويل. ومع ذلك كانت النزعة الدينية للمسلمين والصليبيين للنصارى، تبدو كلما لاح شبح الخطر الداهم على كيان أحد الفريقين، أو كلما اتخذ النزاع بين الفريقين صبغة حاسمة، ولما شعرت إسبانيا النصرانية أنها أضحت بعد الاستيلاء على القواعد الأندلسية الكبيرة، وتضاؤل المملكة الإسلامية، في مركز التفوق والغلبة، لم يكن ثمة ما يدعو


(١) Dr. Lea: History of the Inquisition; v. ١. p. ٥٢-٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>