للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إستجة، ومعه حشد عظيم من الغنائم والأسرى، فأغلقت المدينة أبوابها واستعدّت للقتال. ووضع أبو يوسف الغنائم في ناحية تحت إمرة حرس خاص حتى لا تعيق حركاته، وعقد لولده أبي يعقوب على مقدمته، وخطب جنده وحثهم على الجهاد والموت في سبيل الله. ثم تقدّم لملاقاة النصارى، ويعضده بعض قوّات الأندلس برئاسة بني أشقيلولة. ووقع اللقاء بين المسلمين والنصارى على مقربة من إستجة جنوب غرب قرطبة في اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول سنة (٦٧٤ هـ - ٩ أيلول - سنتمبر - ١٢٧٥ م) فنشبت بين الفريقين معركة سريعة هائلة، هُزم النصارى على أثرها هزيمة شنيعة، وقتل قائدهم الدون نونيو دى لارا وأعدَاد كبيرة من جيشه (١)، وكان نصراً عظيماً أعاد إلى الأذهان ذكريات معركة الزلاقة ومعركة الأرك. وكان أوّل نصر باهر يحرزه المسلمون على النصارى منذ موقعة العقاب، ومنذ انهيار الدولة الإسلامية بالأندلس، وسقوط قواعدها العظيمة. وتبالغ الرواية الإسلامية في تقدير خسائر النصارى، فتقول: إنه قتل منهم في المعركة ثمانية عشر ألفاً، جمعت رءوسهم وأذّن عليها المؤذِّن لصلاة العصر، هذا في حين وفقاً لقولها أيضاً، لم يقتل من المسلمين سوى أربعة وعشرين رجلاً (٢).

وبعث السلطان أبو يوسف برأس دون نونيو إلى ابن الأحمر، فقيل إنه بعثه بدوره إلى ملك قشتالة مضمّخاً بالطيب، مصانعة له وتودّداً إليه.


(١) ابن خلدون (٧/ ١٩١) واللمحة البدرية (٤٤) والإحاطة (١/ ٥٧٣) والذخيرة السنية (١٧٠ - ١٧٢).
(٢) الذخيرة السنية (١٧٣)، ويستغرب الأستاذ محمد عبد الله عنّان من هذا التفاوت في الخسائر بين الطرفين، والواقع أنّ المهزوم يتكبد خسائر فادحة في هزيمته، لأنّ الفوضى والارتباك تقع في صفوفه، فقد يقتل الجندي صاحبه خطأ، وقد تستسلم الجماعة المنهزمة لأفراد، فيقتلون. وكانت معركة جنين سنة ١٩٤٨ م بين العراقيين والصهاينة، فخسر فيها الصهاينة آلافاً، وخسر العراقيون (٢٣) شهيداً، استقروا في مقبرة قباطبة بالقرب من جنين في أرض فلسطين، وهذه حقيقة قد تكون موضع استغراب المؤرخين بعد حين.

<<  <  ج: ص:  >  >>