للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعبر من قصر المجاز إلى الأندلس في صفر (٦٧٤ هـ - حزيران - يوليه - ١٢٧٥ م) في جيش كثيف من البربر، داعياً إلى الجهاد على سنّة أسلافه المرابطين والموحِّدين. وكان أبو يوسف قد اشترط على ابن الأحمر حينما استنجد به، أن ينزل له عن بعض الثغور والقواعد الساحلية، لتنزل فيها جنوده ذهاباً وإياباً، فنزل له عن رندة وطريف والجزيرة، ونزل أبو يوسف بجيشه في طريف، وهرع ابن الأحمر وبنو أشقيلولة إلى لقائه، واهتزت الأندلس كلها لعبور ملك المغرب. ولكن ابن الأحمر ما لبث أن غادره مغضباً لما رأى من تدخله في شئون الأندلس بصورة مريبة، ذلك أن بني أشقيلولة أصهار بني الأحمر، وفي مقدمتهم محمد بن أشقيلولة زعيم الأسرة وزوج أخت محمد بن الأحمر، وأخوه أبو الحسن زوج ابنته، كانوا يجيشون نحو عرش غرناطة بأطماع خفيّة. وكان أبو محمد ممتنِعاً بمالقة مغاضباً لملك غرناطة - كما ذكرنا - فلما عبر أبو يوسف إلى الأندلس، سار إليه وانضوى تحت لوائه. ولم يفلح أبو يوسف في التوفيق بين ابن الأحمر وبين أصهاره، وخشي ابن الأحمر عاقبة هذا التحالف بين أصهاره وبين أبي يوسف، فارتد إلى غرناطة حذراً متوجِّساً.

ونفد أبو يوسف بجيشه إلى بسائط الفرنتيرة (١)، وكانت بيد النصارى، وعاث فيها، ثم توغّل غازياً ينسف الضياع والمروج، ويسبي السكان، حتى وصل إلى حصن المقورة وأبدة على مقربة من شرقي قرطبة. وعندئذٍ عوّل القشتاليون على لقائه دفاعاً عن أراضيهم. وخرج القشتاليون في جيش ضخم تقدّره الرواية الإسلامية بنحو تسعين ألف مقاتل (٢)، وعلى رأسهم قائدهم الأشهر صهر ملك قشتالة الدون نونيو دى لارا الذي تسميه المصادر العربية: (دونونه أو دننه أو ذنونه). وكان أبو يوسف قد ارتدّ عندئذٍ بجيشه إلى ظاهر


(١) الفرنتيرة: La Frontera، وهي السهل الواقع غربي مثلث إسبانيا الجنوبي (الجزيرة)، ويمتدّ من قادس جنوباً حتى طرف الغار.
(٢) الذخيرة السنية (١٦٩ - ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>