أهلها، ثم توغّل بجيشه في أرض النصارى يعبث فيها، ومعه بنو أشقيلولة في جندهم، حتى أحواز إشبيلية. واجتنب القشتاليون لقاءه، ثم دعا ابن الأحمر إلى لقائه، فوافاه عند قرطبة والريب يملأ نفسه. وتبادل الملكان عبارات العتاب والتعاطف، ولكن ابن الأحمر لم تطمئن نفسه، وعاد السلطان إلى المغرب دون أن تصفو القلوب.
وزاد توجّس ابن الأحمر لحوادث مالقة وانحيازها إلى السلطان، وجال بخاطره أن التفاهم مع ملك قشتالة خير وأبقى. وفي أواخر سنة ٦٧٧ هـ، استطاع ابن الأحمر أن يستولي أخيراً على مالقة، وذلك بإغراء صاحبها بالنزول عنها، والاستعاضة بالمنكب وشلوبانية (١). ثم سعى إلى التفاهم مع ملك قشتالة والتحالف معه على منع عبور السلطان المنصور إلى الأندلس، ونزلت القوات القشتالية بالفعل في الجزيرة الخضراء وكاتب ابن الأحمر أيضاً الأمير يغمراسن ملك المغرب الأوسط، وخصم السلطان المنصور، يسأله العون والتحالف. وعلم المنصور بذلك، فأراد العبور فوراً إلى الأندلس، ولكن عاقته حوادث المغرب حيناً. وفي أوائل سنة (٦٧٨ هـ)، بعث ولده الأمير أبا يعقوب إلى الأندلس في أسطول ضخم، ونشبت بينه وبين أسطول النصارى المرابط في بحر الزقاق معركة هائلة، هزم النصارى على أثرها، واستولى المسلمون على سفنهم، ونزلوا بالجزيرة الخضراء، فغادرها النصارى في الحال.
وأراد أبو يعقوب أن يتبع نصره بعقد الصلح مع ملك قشتالة، والتحالف معه على قتال ابن الأحمر ومهاجمة غرناطة، فأنكر عليه أبوه السلطان ذلك. ثم زحف جند المغرب على ثغر مربلَّة، وهو من أملاك ابن الأحمر تريد الاستيلاء عليه، فامتنع عليهم. وانتهز القشتاليون تلك الفرصة، فزحفوا على
(١) المنكب بالإسبانية ( Almunecar) ، وشلوبانية بالإسبانية ( Salobrena) ، ثغران صغيران من ثغور مملكة غرناطة القديمة، يقع كلاهما جنوبي غرناطة على البحر الأبيض المتوسط، وتفصلهما عن بعضهما مسافة صغيرة.