للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير أبا زيان للنظر على الثغور الأندلسية، وأوصاه بألاّ يتدخّل في شئون ابن الأحمر. وكان من آثار التفاهم بين ابن الأحمر والمنصور، أن ترك المنصور ببلاط غرناطة بعض قرابته من مشاهير الغزاة، وعليهم رئيس من بني العلاء أقارب بني مرين يسمى شيخ الغزاة، وتولّى بنو العلاء قيادة الجيوش الأندلسية عصراً، وكانت لهم في ميدان الحرب والجهاد مواقف مشكورة (١).

وقفل السلطان المنصور راجعاً إلى الجزيرة ليستجمَّ ثم يعود إلى المغرب، ولكن لم تمضِ أشهر قلائل، حتى أدركه المرض، وتوفي بالجزيرة في المحرم سنة (٦٨٥ هـ - آذار - مارس ١٢٨٥ م) بعد حياة حافلة بصنوف الجهاد في المغرب والأندلس.

وكان السلطان أبو يوسف المنصور من أعظم ملوك المغرب قاطبة، وكان يعيد بشغفه بالجهاد، وكثرة تعداد أفراد جيوشه وأهبته الحربية، ذكرى أسلافه العظام من أمثال يوسف بن تاشفين، وعبد المؤمن، ويعقوب المنصور.

وخلفه على عرش المغرب ولده الأمير أبو يعقوب، وكان مثل أبيه معنياً بشئون الأندلس، خبيراً بها. واستمرت علائق بني الأحمر ببني مرين أعواماً أخرى على حالها من المودة والصفاء، وزادت توطداً حينما قبل سلطان المغرب أن ينزل لابن الأحمر طوعاً عن وادى آش. وذلك أن محمداً الفقيه كان قد عيّن صهره أبا إسحاق بن أبي الحسن بن أشقيلولة حاكماً على قُمارش ووادي آش، فلما توفى أبو إسحاق سنة (٦٨٢ هـ) استردّ ابن الأحمر قمارش، وخرج عليه أبو الحسن ولد أبي إسحاق في وادي آش، وتحالف أولاً مع ملك قشتالة، فلما عقد السلم بين المسلمين والنصارى، أعلن أبو الحسن انضواءه تحت لواء ملك المغرب، فأغضى ابن الأحمر حيناً عن تصرفه. فلما اتّصلت وشائج المودة من جديد بينه وبين السلطان أبي يعقوب، سأله التنازل عن وادي آش، فأجابه سؤله، ورحل عنها الثائر أبو الحسن إلى المغرب ملتجئاً


(١) ابن خلدون (٧/ ٢٠٩ - ٢١٠) ونفح الطيب (٢/ ٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>