تدخل ملك المغرب في شئون الأندلس على هذا النحو، وكان مثَلُ المرابطين ومأساة الطوائف عبرة خالدة، تساوره دائماً، وتذكي جزعه. على أنّ موت الفونسو العاشر، وانتهاء الحرب الأهلية في قشتالة، خفف من هذا التوتّر بين المملكتين، وكان ابن الأحمر يذكر في الوقت نفسه، غدر ملك قشتالة، وخطر النصارى على مملكته، فيجنح بعد التأمّل إلى إيثار التفاهم مع ملك المسلمين.
وفي صفر سنة (٦٨٤ هـ) عبر السلطان المنصور للمرة الرابعة إلى الأندلس، وزحف في أراضي النصارى، وغزا مدينة شريش، وسار ولده أبو يعقوب إلى أحواز إشبيلية فعاث فيها. ثم زحف المنصور على قرمونة والوادي الكبير، وخرب جنده بسائط إشبيلية ولبلة وإستجة والفرنتيرة. وسُرّ ابن الأحمر لاجتياح أراضي قشتالة على هذا النحو، وبعث إلى السلطان مدداً من غرناطة، وجاءت الأساطيل المغربية فطاردت أساطيل العدو في بحر الزقاق واحتلته. ورأى سانشو ملك قشتالة تفاقم الأمر وعقم المقاومة، فجنح إلى طلب السلم، وبعث إلى السلطان وفداً من الأحبار يطلب الصلح ويفوِّض السلطان في اشتراط ما يراه، فاستجاب السلطان لرغبتهم، واشترط عليهم: مسالمة المسلمين كافةً، وأن يمتنع النصارى عن كل اعتداء على الأندلس، وعلى أراضي المسلمين ومرافقهم، وأن ترفع الضريبة عن التجار المسلمين بدار الحرب (بلاد الأعداء)، وأن تنبذ قشتالة سياسة الدسّ بين الأمراء المسلمين، فقبل النصارى جميع الشروط المطلوبة، وتعهّدوا بتنفيذها. وقدم سانشو بنفسه إلى معسكر السلطان، فاستقبله المنصور بحفاوة، وقدّم إليه طائفة من الهدايا، وتعهّد سانشو بتحقيق شروط الصلح كاملة، وسأله السلطان أن يرسل إليه قدراً من الكتب العربية التي استولى عليها النصارى من القواعد الأندلسية، فأرسل إليه ثلاثة عشر حملاً منها، وأرسلها السلطان إلى فاس، فكانت نواة المكتبة السلطانية واتّخذ المنصور تدابيره الأخيرة نحو شئون الأندلس، وندب ابنه