٧١٢ هـ)، فلما اشتدّت وطأة النصارى على غرناطة، عاد ابن الأحمر، فنزل عن الجزيرة إلى ملك المغرب السلطان أبي سعيد (سنة ٧٢٩ هـ) لتكون رهينة ومنزلاً للأمداد المرجوّة من وراء البحر، ولكن النصارى استولوا على معظم حصونها وأضحى طريق الجواز ولا سيما بعد ضياع جبل طارق عسيراً محفوفاً بالمخاطر. وعبر ابن الأحمر في أواخر سنة (٧٣٢ هـ) إلى عدوة المغرب، وقصد إلى فاس مستنجداً بملك المغرب السلطان أبي الحسن علي بن عثمان ابن أبي يعقوب المريني، فاستقبله السلطان بمنتهى الحفاوة، وشرح له ابن الأحمر ما انتهت إليه شئون الأندلس، وما ترتّب على سقوط جبل طارق من قطع صلة الوصل بين المملكتين، ورجاه الغوث والعون.
والواقع أن استيلاء النصارى على جبل طارق في سنة (٧٠٩ هـ - ١٣١٠ م) كان أعظم نكبة منيت بها الأندلس منذ سقوط قواعدها الكبرى. وقد شعرت مملكة غرناطة بفداحة النكبة، وازداد منذ وقوعها توجّسها من المستقبل. وكان المسلمون قد جدّدوا تحصيناتها في منتصف القرن السادس الهجري، حينما عبر إليها خليفة الموحِّدين عبد المؤمن بن علي، وأسماها جبل الفتح، وأمر بتجديد حصنها الذي ما يزال قائماً حتى اليوم فوق الصخرة من ناحيتها الشمالية. وكان سلطان غرناطة يتوق إلى استرداد هذا المعقل درع مملكته من الجنوب، وكان فوق اضطرامه بعاطفة الجهاد، يرى خطر إسبانيا النصرانية يلوح داهماً ليس على الأندلس فقط، بل وعلى المغرب أيضاً. ذلك لأن الأندلس أخذت تبدو من ذلك الحين جناح المغرب وخطّه الدفاعي الأول من الشمال، ولابد من تأمين هذا الخط والسّهر على سلامته، وذلك بدعم قوة الأندلس وتأييدها، وردّ خطر النصارى عنها. ومن ثم فقد استجاب أبو الحسن لدعوة ابن الأحمر، وبعث معه الإمداد بقيادة ولده أبي مالك، لمنازلة جبل طارق وافتتاحها، وتلاقت على أثرها السفن تحمل المدد والعدد والمؤن، وحشد ابن الأحمر قواته، وزحف على الجزيرة واستولى عليها. وطوّق المسلمون جبل طارق من البر والبحر، ورابط أسطول المغرب في