للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحر الزقاق ليحول دون وصول الإمداد إلى النصارى، وهرع ملك قشتالة الفونسو الحادي عشر في قوة من الفرسان، لإنجاد الحامية المحصورة، فبادر ابن الأحمر إلى مهاجمة النصارى، وهزمهم أمام جبل طارق تجاه البرزخ الإسباني. وكان أكبر الفضل في إحراز هذا النصر راجعاً إلى همّة الحاجب رضوان النصري وإقدامه وبراعته. ثم شدّد المسلمون الحصار على الثغر، فقطعوا كل صلاته من البر والبحر، فلم تمض بضعة أسابيع حتى ساءت حالة الحامية النصرانية، واضطرت على التسليم قبل مقدم الجيش القشتالي. وبذلك استعاد المسلمون الثغر المنيع في أواخر سنة (٧٣٣ هـ - ١٣٣٣ م) بعد أن لبث في حوزة النصارى أربعة وعشرين عاماً، وكان أكبر الفضل في استرداده راجعاً إلى معاونة السلطان أبي الحسن في البر والبحر. ولما رابط المسلمون والنصارى في الميدان وجهاً لوجه، ورأى ملك قشتالة أنه لا أمل في كسب معركة انتهت بظفر المسلمين، آثر الصلح، وانتهى الأمر بعقد الهدنة بين الملكين (١). واعتزم السلطان محمد بن إسماعيل بن الأحمر العودة بجنده إلى غرناطة، ولكنه ما كاد يغادر جبل طارق في اليوم التالي عائداً إلى عاصمة ملكه، حتى اغتاله في الطريق جماعة من المتآمرين بتحريض بني أبي العلاء (ذو الحجة سنة ٧٣٣ هـ). وكان أولئك القادة المغاربة وعلى رأسهم شيخهم عثمان بن أبي العلاء قد استفحل أمرهم في الدولة، وأخذوا ينازعون السلطان في أمر تصرفاته، وبدأ ابن الأحمر يتبرم بتدخلهم واستبدادهم، وكان حينما عبر السلطان أبو الحسن قد خاطبه في شأنهم وسبيل الخلاص منهم. واستراب بنو أبي العلاء منه، وتوجّسوا شرّاً، فأتمروا للتخلّص منه قبل أن يبطش بهم، ولحق به المتآمرون حين عوده، واغتالوه طعناً بالرماح، وتركت جثته في العراء حيناً، حتى نقلت بعد ذلك إلى مالقة ودفنت بها (٢).


(١) الإحاطة (١/ ٥٤٠ - ٥٥٢) والّلمحة البدرية (٧٧ - ٨٢) وابن خلدون (٧/ ٢٥٥).
(٢) ابن خلدون (٧/ ٢٦٣ - ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>