يوسف قيادة فرسان الأندلس، ويقال: إن الأندلسيين كانت لديهم في تلك المعركة آلات تشبه المدافع، وهي الآلات التي تطوّرت فيما بعد، وكانت تسمى:(الأنفاط). وتقدم الفونسو الحادي عشر بجيشه لمهاجمة المغاربة، فصُدَّ في البداية بقوة، واشتبك فرسان الأندلس مع جيش البرتغال، ولكن حدث عندئذٍ أن تسلَّلت حامية طريف النصرانية من الجنوب، وانقضَّت على الجيش الإسلامي، فدبّ الخلل إلى صفوفه، ونشبت بين الفريقين معركة هائلة سالت فيها الدماء غزيرة، وقتل من المسلمين عدد جمّ، وسقط معسكر سلطان المغرب الخاص في يد النصارى وفيه حريمه وحشمه وبعض أولاده، فذبحوا جميعاً على الأثر بوحشية مروِّعة، وانتشرت قوات المسلمين وبدّدت، وفرّ السلطان أبو الحسن، واستطاع أن يعبر إلى المغرب مع فلوله، وارتد السلطان يوسف إلى غرناطة. وكانت محنة عظيمة لم يشهد المسلمون مثلها منذ موقعة (العقاب)، وكان لها أعمق وقع في المغرب والأندلس (١).
وانتهز ملك قشتالة فرصة ظفره وضعف المسلمين، فغزا قلعة بني سعيد وقلعة يحصب من أحواز غرناطة، واستولى عليها بعد حصار قصير (٧٤٢ هـ). وكان ملك المغرب في أثناء ذلك يضطرم ظمأً للانتقام، ويحشد قواته من جديد. ولما كملت أهبته أرسل أساطيله إلى بحر الزقاق، وسار بالجيش إلى سبتة، وبادر ملك قشتالة من جانبه بإرسال أسطوله للقاء المسلمين. ونشبت بين الطرفين معركة بحرية هُزِم فيها المسلمون، ومُزّق أسطولهم (٧٤٣ هـ - ١٣٤٢ م). وحاصر النصارى ثغر الجزيرة الخضراء، وسار السلطان يوسف في جيشه لإنجاد الثغر المحصور، وكان جيشه مجهزاً بالآلات القاذفة الجديدة التي تشبه المدافع، ولكنه لم يفلح واضطر المسلمون إلى التسليم، وبذلك أضحى الثغران الجنوبيان المشرفان على مضيق جبل طارق وهما الجزيرة وطريف في أيدي النصارى، ولم يبق في يد المسلمين
(١) أنظر ابن خلدون (٧/ ٢٦١ - ٢٦٢) والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (٢/ ٦٥ - ٦٦) والّلمحة البدرية (٩٢ - ٩٣).