للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقاعسوا أو تخاذلوا وافترقت كلمتهم (١).

وأبلغ من ذلك كله في الدلالة على شعور ابن الخطيب بخطر الفناء الذي ينتظر الأندلس، ما وجهه في وصيته إلى أولاده من النصح، بعدم الإسراف في اقتناء العقارات بالأندلس، إذ يقول لهم: "ومن رزق منكم مالاً بهذا الوطن القلق المهاد الذي لا يصلح بغير الجهاد، فلا يستهلكه أجمع في العقار، فيصبح عرضة للمذلة والاحتقار، وساعياً لنفسه أن يتغلّب العدو على بلده في الافتضاح والافتقار، ومعوّقاً عن الانتقال أمام النوائب الثقال، وإذا كان رزق العبد على المولى، فالاجمال في الطلب أولى" (٢).

وسلك الغني بالله في حكمه مسلك القوّة والحزم، واشتهر بصرامته وعدله، وعنى بمشاريع الإنشاء والعمران، فأمر ببناء المارستان الأعظم (المستشفى) في غرناطة، وأنفق عليه أموالاً عظيمة، وعُنِي بتحصين الثغور، وعمل على بث روح الجهاد والحمية في النفوس للدفاع عن الدين والوطن، وكان داعيته في ذلك وسفيره إلى جمهور الأمة، وزيره القوي البليغ ابن الخطيب، فعمل على إذكاء الشعور ببراعة، واستمرت رسائله وخطبه المؤثرة في ذلك تترى أينما كان، بالأندلس أو المغرب، حتى نهاية حياته.

وفي أواخر سنة (٧٦٧ هـ - ١٣٦٦ م)، نظَّم بعض الزعماء الخوارج مؤامرة لخلع السلطان وإقامة بعض قرابته مكانه، وهاجم الخوارج قلعة الحمراء، فمزقتهم الجند، وقبض على زعيمهم، وزاد إخفاق المؤامرة مركز السلطان توطيداً.

وفي عصر الغني بالله، توطدت أواصر الصداقة بين بلاط غرناطة وبلاط


(١) نقل إلينا المقري في نفح الطيب وأزهار الرياض كثيراً من هذه الرسائل، وأنظر الإحاطة (٢/ ٣١ - ٣٩).
(٢) نقل إلينا المقري في نفح الطيب وصية ابن الخطيب كاملة، وهي من أبدع الوصايا الأبوية السياسية (٢/ ٤٢٥) وما بعدها، وكذلك في أزهار الرياض (١/ ٣٢) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>