فعوّل على مغادرة الأندلس، وسار إلى الثغور الغربية في نفر من خاصته، بحجة تفقدها، وعبر البحر فجأة إلى سبتة (٧٧٣ هـ) بتفاهم سابق بينه وبين ملك المغرب السلطان عبد العزيز المريني، وكانت تربطه به مودة وثيقة. وهكذا غادر ابن الخطيب الوطن والأهل والسلطان، بعد أن تربّع في الوزارة في المرة الثانية زهاء عشرة أعوام. وخلفه في الوزارة تلميذه ابن زمرك، وكان قد انقلب عليه في أواخر أيامه، وغدا من خصومه وأشدّهم سعياً إلى نكبته.
وقضى ابن الخطيب في منفاه زهاء ثلاثة أعوام، واستقرّ في فاس معزّزاً مكرّماً. ولكن السلطان عبد العزيز، ما لبث أن توفي، وساءت الأمور في عهد ولده الطفل الملك السعيد، ووقع انقلاب انتهى بجلوس السلطان أحمد بن أبي سالم على العرش، وهو صديق الغني بالله وحليفه، وكان بلاط غرناطة وخصوم ابن الخطيب في الأندلس يجدّون في ملاحقته ومطاردته، فسعوا عندئذٍ في بلاط فاس للقبض عليه واتِّهامه بالزندقة. وكلل مسعاهم آخر الأمر بالنجاح، واعتقل ابن الخطيب، أفتى بعض الفقهاء المتعصِّبين بوجوب قتله تنفيذاً لحكم الدين، ودُسّ عليه بعض الأوغاد، فقتلوه في سجنه، وذلك في أواخر سنة (٧٧٦ هـ- ١٣٧٥ م)، وهكذا ذهب الكاتب الشاعر الكبير ضحية الغدر السياسي والتعصب الشائن (١).
وكان ابن الخطيب سياسياً بعيد النظر، وكان يرى في حوادث الأندلس شبح المستقبل الرهيب واضحاً، ويستشف بنافذة بصيرته ما وراء الحجب، من نهاية محتومة لهذا الوطن الذي مزّقته الأهواء وأضنته الفتن، وكان يرى هذا المصير المحزن قبل وقوعه بأكثر من قرن، ويهيب بقومه وإخوانه المسلمين فيما وراء البحر، أن يبادروا إلى غوثه ونصرته، وله في ذلك رسائل ونداءات عديدة مؤثرة تفيض قوّة وبلاغة، في الحثّ على اليقظة، والذود عن الدين والوطن، والنذير بما يهددهم ويهدد وطنهم من خطر المحو والفناء إذا