للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعاونة شعبه، ومعاونة ملك أراغون، أن يحشد جيشاً عظيماً. والتقى الفريقان في (نجارا) في الثالث من نيسان - أبريل (١٣٦٧ م)، فهُزِم الكونت هنري بالرغم من وفرة جموعه. وقُتِل عدد كبير من جيشه، واسترد بيدرو عرشه. ولكنه لم يف بوعده إلى الأمير الإنكليزي، ولم يؤد إليه الجزية المشترطة، فسخط عليه وارتد بقواته إلى الشمال. وعندئذٍ عادت الثورة إلى الاضطرام في قشتالة، ووثب الشعب ببيدرو مرة أخرى، وعاد أخوه الكونت هنري فغزا قشتالة في أنصاره، ونشبت بين الفريقين في (مونتيل) موقعة أخرى هُزِم فيها بيدرو، وجلس أخوه مكانه على العرش سنة (١٣٦٨ م) (١)، وكان بين قوات الملك القتيل فرقة من حلفائه المسلمين تعاونه وتذود عنه.

وقد فصّل لنا ابن الخطيب حوادث الحرب الأهلية، في قشتالة في تلك المدة، وكان معاصراً لها وقريباً من مسرحها، وروايته تدل على حسن اطلاعه، ودقة فهمه لسير الحوادث (٢).

وتولَّى ابن الخطيب وزارة الغني بالله للمرة الثانية، وهو متمتع بأقصى مراتب العطف والثقة، واستأثر في البلاط وفي الدولة بكل نفوذ وسلطة، وقضى على نفوذ منافسه الوحيد في السلطة وهو شيخ الغزاة عثمان بن يحيى، ومازال بالسلطان حتى نكبه، فخلا له الجو وتبوّأ ذروة القوّة والسلطان. وكان من معاونيه في الوزارة تلميذه الكاتب الشاعر الكبير أبو عبد الله بن زَمرَك، وقد تولى كتابة السر في كنفه وتحت رعايته. والظاهر أن اجتماع السلطان والنفوذ في يد ابن الخطيب على هذا النحو، كان سبباً في انحرافه عن جادة الاعتدال والروية، فجنح إلى الاستبداد واتباع الهوى، وبث حوله معتركاً من البغضاء والخصومة، وكثرت في حقه السِّعاية والوشاية، واتهمه خصومه بالإلحاد والزندقة، لما ورد في بعض كتاباته. وشعر ابن الخطيب في النهاية أن السعاية قد بدأت تحدث أثرها، وأن عطف مليكه قد فتر، وخشي العاقبة على نفسه،


(١) David Hump: History of England, V. ١١. P. ٢٠٢-٢٠٥
(٢) أنظر التفاصيل في الإحاطة (٢/ ٢٤ - ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>