للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الرئيس أبي سعيد، فجاز محمد إلى الأندلس مع وزيره ابن الخطيب، واستولى على غرناطة، وفرّ الرئيس أبو سعيد إلى ملك قشتالة، واسترد محمد ملكه (جمادى الآخرة ٧٦٣ هـ - ١٣٦١ م). ووفد عليه المؤرِّخ ابن خلدون بعد ذلك بقليل، وأكرم مثواه، وأرسله سفيراً عنه إلى بيدرو ملك قشتالة، ليوثق أواصر الصداقة بينهما (٧٦٥ هـ - ١٣٦٣ م)، فقصد ابن خلدون بلاط إشبيلية ومعه هدية فخمة، وأدّى سفارته ببراعة، وحظي بعطف ملك قشتالة وإعجابه. ولما اعتزم ابن خلدون العودة بعد أن أتمَّ مهمّته، قدم له ملك قشتالة هدية ثمينة، فسر السلطان محمد لنجاحه، وأقطعه قرية إلبيرة بمرج غرناطة، وعاش مدة في غرناطة معززاً مكرماً (١).

ولم يمض على ذلك قليل، حتى شغلت قشتالة مدى حين بمنازعاتها وحروبها الداخلية، وتمتعت غرناطة خلال ذلك بهدنة قصيرة، وكان بيدرو ملك قشتالة (دون بطره) الملقب بالقاسي الذي خلف أباه الفونسو الحادي عشر في سنة (١٣٥٠ م) قد غلا باستبداده وقسوته، حتى أنه لم يحجم عن قتل زوجته الملكة بلانش دي بوربون أخت ملكة فرنسا بالسم، ليتزوج من خليلته، فسخط عليه الأمراء والأشراف لما نالهم من عسفه، وخرج عليه أخوه غير الشّرعي الكونت هنري دي تراستمارا، ولد إلينورا دي كزمان، وفرّ إلى فرنسا، وتحالف مع ملكها شارل الخامس، على أن يجمع له جيشاً من المرتزقة يقوده إلى قشتالة، وأشرف على تنفيذ المشروع الدوق دى جسكلان زعيم الفروسية يومئذ. وقاد هنري جيشه إلى قشتالة (١٣٦٦ م)، فلم يقو بيدرو على مقاومته لاشتداد السخط عليه، وتخلى الشعب عنه، وفرّ إلى ولاية جويين الفرنسية فيما وراء البرنية، واستغاث بالأمير إدوارد ولي عهد انكلترا، وقد كان يحكم هذه الأنحاء المحتلة من فرنسا باسم أبيه، فاستجاب الأمير الإنجليزي لدعوته، وسار معه إلى قشتالة في قواته، واستطاع الكونت هنري


(١) أنظر تفاصيل السفارة في التعريف (٧/ ٤١٢) طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، والإحاطة (٢/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>