وولده، ونادوا بإسماعيل أخي السلطان ملكاً مكانه. وشعر محمد بعقم المدافعة، ففرّ إلى وادي آش. وحاول ابن الخطيب مصانعة السلطان الجديد، فاستبقاه في الوزارة لمدى قصير، ثم ارتاب في نياته وأمر باعتقاله ومصادرة أمواله. وكانت تربط السلطان المخلوع علائق مودّة وصداقة بملك المغرب، السلطان أبي سالم ولد السلطان أبي الحسن. وكان أبو سالم قد لجأ إليه حينما تغلّب عليه السلطان أبو عنان ونفاه إلى الأندلس، فأكرم محمد مثواه. ولما وقعت الفتنة وخلع محمد، رعى له أبو سالم عهد الصداقة والوفاء، وأرسل إلى غرناطة سفيراً يسعى لدى حكومتها، في إجازة السلطان المخلوع ووزيره المعتقل إلى المغرب، فنجح السفير في مهمته، وعاد إلى المغرب ومعه محمد والوزير ابن الخطيب (المحرم سنة ٧٦١ هـ). واستقبلهما أبو سالم في فاس أجمل استقبال، واحتفل بقدومهما في يوم مشهود، وأنشده ابن الخطيب قصيدة عصماء، فكان لإنشاده أعظم وقع في النفوس، وتأثر السلطان بها أيّما تأثر (١). ولبث السلطان المخلوع في بلاط فاس حيناً، وتوثقت بينه وبين المؤرِّخ ابن خلدون - وهو يومئذ من أكابر الدولة المرينية - روابط المحبّة والصداقة، وعقدت أيضاً بين المؤرخ وبين قرينه ابن الخطيب أواصر صداقة نمت وتوثقت فيما بعد. وكان محمد بن الأحمر يؤمِّل أن يسترد ملكه المنزوع بمعاونة بيدرو الثاني (بطره) ملك قشتالة تنفيذاً للاتفاق الذي عقد بينهما. ولكنه لم يفعل شيئاً لتحقيق هذا الأمل. والواقع أن ملك قشتالة كان مشغولاً باضطرابات مملكته، فآثر أن يعقد السلم مع سلطان غرناطة الجديد. وفي أثناء ذلك حدث انقلاب لقي فيه السلطان أبو سالم مصرعه، واستبد بالدولة الوزير عمر بن عبد الله فسعى لديه ابن الأحمر ليعاونه في استرداد ملكه، فاستجاب له الوزير. ومازال محمد يدبر أمره بمعاونته، حتى تهيأت الفرصة بوقوع الثورة في غرناطة، ومقتل منافسه السلطان إسماعيل على يد المتغلِّب
(١) الإحاطة (المقدمة ص: ٣٩ - ٤٣)، والّلمحة البدرية (١٠٨) وابن خلدون (٧/ ٣٠٦) وما بعدها، وأزهار الرياض (١/ ١٩٤ - ١٩٥).