وكان السلطان ابن إسماعيل أميراً عاقلاً حازماً عادلاً، محباً للإصلاح والأعمال الإنشائية، فعكف على ضبط الأمور وتوطيد الأمن، وإقامة الأبنية وتحصين القواعد والثغور. وكان فارساً بارعاً يشترك بنفسه أحياناً في مباريات الفروسية. ولأول عهده أرسل إلى ملك قشتالة خوان الثاني يؤكد طاعته، وساد السلم لمدة قصيرة بين المسلمين والنصارى، ولكن خوان الثاني توفي بعد أشهر قلائل، وخلفه ولده هنري الرابع. وأبى ابن إسماعيل أن يعترف بحماية ملك قشتالة الجديد، محاولاً بذلك أن يكتسب الشعب إلى جانبه، وأن يوطِّد مركزه. وسيّر بعض قواته في نفس الوقت، فأغارت على الأراضي القشتالية، وأصرّ ملك قشتالة من جانبه على وجوب خضوع ملك غرناطة وطاعته، واعتزم الضغط على المملكة الإسلامية الصغيرة دون هوادة، فسار إلى أراضي غرناطة في جيش ضخم وعاث فيها، وانتسف المروج والضياع، وقتل وسبى من أهلها جموعاً كبيرة، ولقيه المسلمون في قوات صغيرة أنزلت بجيشه خسائر كبيرة. وعاد القشتاليون في العام التالي إلى عبثهم في أراضي المسلمين، وغزا المسلمون من جانبهم منطقة جيّان وأوقعوا هنالك بالنصارى، واستمرت هذه المعارك مدى حين سجالاً بين الفريقين. وكان النصارى قد استولوا في تلك المدة المضطربة من حياة المملكة الإسلامية، على عدة من القواعد والثغور الإسلامية، بعضها اختياراً بتنازل سلاطين غرناطة، والبعض الآخر باحتلالها قسراً. وكانت أعظم ضربة أصابت غرناطة في عهد السلطان أبي إسماعيل سقوط ثغر جبل طارق في يد النصارى. ففي سنة (١٤٦٢ م) سارت إليه قوة من القشتاليين بقيادة الدوق مدينا سيدونيا واستولت عليه بطريق المفاجأة. وكان سقوط هذا الثغر المنيع في يد النصارى، أول خطوة ناجعة في سبيل قطع علائق مملكة غرناطة بعدوة
(١) Conde: ibid; V. ١١١. P. ٢٠١ & ٢٠٢، وأنظر أيضاً: Seco de Lucena: Una