للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمهما (١)، ولكن الرواية القشتالية تحدثنا عن فرارها مع ولديها. وتقدم إلينا عن هذا الفرار صوراً شائقة فتقول: إن بعض الخدم المخلصين، كان ينتظر مع الجياد على مقربة من الحمراء على ضفة النهر مما يلي برج قمارش، وإن الأميرة استعانت بأغطية الفراش على الهبوط من نوافذ البرج الشاهق في جوف الليل (٢).

وهكذا استطاعت هذه الأميرة الباسلة أن تفر من معتقلها، واختفى الفارون حيناً حتى قويت دعوتهم وانضم إليهم كثير من أهل غرناطة. وظهر ولدها الأمير الفتى محمد أبو عبد الله في وادي آش حيث مجمع عصبته وأنصاره، وكان السلطان أبو الحسن وقت فرار الأميرة وولديها، بعيداً عن غرناطة، يدافع النصارى عن أسوار لوشة، وكانت الحوادث تسير بسرعة مؤذنة باضطرام عاصفة جديدة.

وكان ملك قشتالة يرقب الحوادث في مملكة غرناطة بمنتهى الاهتمام، فلما اضطرمت نار الحرب بين المسلمين، ولاحت الفرصة للغزو سانحة، قرّر بدء الحرب على غرناطة. وكان يضطرم سخطاً لاستيلاء المسلمين على قلعة الصخرة بالرغم من الهدنة، وعجزه عن استرداد هذه القاعدة الهامة، فسيّر حملة قوية إلى الأندلس، سارت منحرفة من جهة الغرب، ورأى القواد القشتاليون أن يبدأوا بمهاجمة الحامة (الحمة) التي تقع في قلب الأندلس، جنوب غربي غرناطة، وذلك لما بلغهم من ضعف وسائل الدفاع عنها، ولأن الاستيلاء عليها، يمكنهم من تهديد غرناطة ومالقة معاً. وكانت الحامة مدينة غنيّة، ولها شهرة قديمة بحماماتها الشهيرة التي كانت مجتمع ملوك غرناطة وأمرائها. ونجحت الخطة واستطاع النصارى مباغتة الحامة والاستيلاء على قلعتها تحت جنح الظلام، ثم استولى على المدينة بالرغم من مقاومتها الباسلة، وأمعنوا في المسلمين قتلاً وأسراً وسبياً (المحرم سنة ٨٨٧ هـ -


(١) أخبار العصر (١٢) ونفح الطيب (٢/ ٦٠٩).
(٢) L. del Marmol; ibid; ١. cap. X١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>