للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستبشار والنصر.

واعتزم ملك غرناطة الفتى أبو عبد الله محمد، أن يحذو حذو عمِّه الباسل في الجهاد والغزو، وأن ينتهز فرصة اضطراب النصارى عقب هزيمتهم، فخرج في قواته في شهر ربيع الأول سنة (٨٨٨ هـ - نيسان - أبريل ١٤٨٣ م) متجهاً نحو قرطبة، واجتاح في طريقه عدداً من الحصون والضياع، وهزم النصارى في عدة معارك محلية، ثم ارتد مثقلاً بالغنائم. وفي طريق العودة، أدركه النصارى في ظاهر قلعة اللّسانة ( Luccena) (١) وكان يزمع حصارها. ونشبت بين الطرفين معركة هائلة ارتدّ فيها المسلمون إلى ضفاف نهر شنيل، وقتل وأسر كثير من قادتهم وفرسانهم، وكان من بين الأسري السلطان أبو عبد الله نفسه (٢)، عرفه الجند النصارى بين الأسرى أو عرّفهم بنفسه خشية الاعتداء عليه، فأخذوه إلى قائدهم الكونت دى كابرا (قبره) فاستقبله بحفاوة وأدب، وأنزله بإحدى الحصون الغربية تحت حراسة مشددة، وأخطر في الحال ملكي قشتالة بالنبأ السعيد، فأمر فرديناند أن يؤتى بالأسير الملكي إلى قرطبة، وأن يستقبل استقبال الأمراء، فأُخذ أبو عبد الله وأصحابه إلى قرطبة في حرس قوي، واحتشد أهل قرطبة لرؤية موكب الملك المسلم، وكان أبو عبد الله يرتدي ثوباً من القطيفة السوداء، ويمتطي حصاناً أسود عليه سرج ثمين، وكان وجهه يشعّ كآبة. وأُخذ الملك الأسير أولاً إلى دار الأسقف المواجه للمسجد الجامع، ثم أُخذ بعد ذلك إلى إحدى القلاع الحصينة، وعومل هناك بإكرام وحفاوة، وأقام في أسره مكتئباً ينتظر يوم الخلاص.

وعاد المسلمون إلى غرناطة دون ملكهم، وقد مزّقتهم الهزيمة وفتَّت في عزائمهم، فارتاعت العاصمة لهذه النكبة واضطرب الشعب، وساء الوجوم قصر الحمراء، وسرى الحزن إلى حرم الأمير وقرابته، ولم يحتفظ فيها


(١) هي بلدة صغيرة حصينة تقع اليوم في نطاق ولاية قرطبة، جنوب شرقي مدينة قرطبة.
(٢) أخبار العصر (١٤)، ويصف عبد الباسط بن خليل المصري في حولياته، هذه المعركة: "بالكارثة العظمى والداهية الطما".

<<  <  ج: ص:  >  >>