بهدوئه وسكينته سوى أمّه الأميرة عائشة. واجتمع الأمراء والكبراء والقادة، وقرروا استدعاء أبي الحسن السلطان المخلوع ليجلس على العرش مكان ولده الأسير، ولكن أبا الحسن كان قد هدَّه الإعياء والمرض، وفقد بصره، ولم يستطع أن يضطلع بأعباء الحكم طويلاً، فنزل عن العرش لأخيه محمد أبي عبد الله (الزغل) حاكم مالقة، وارتدّ إلى المنكب فأقام بها حيناً حتى توفى (٨٩٠ هـ - ١٤٨٥ م)، وجلس الزغل على العرش يدير شئون المملكة، وينظم الدفاع عن أطرافها.
أما السلطان أبو عبد الله محمد، فلبث يرسف في أسره عند النصارى. وأدرك ملكا قشتالة في الحال ما للأمير الأسير من الأهمية، وأخذا يدبّران أفضل الوسائل للاستعانة به في تحقيق مآربهما في مملكة غرناطة، وبعد إمعان البحث والتدبير، رُؤِيَ أن يُفرج عن الملك الأسير لقاء أفضل الشروط التي يمكن الحصول عليها، لأن هذا الإفراج من شأنه أن يزيد في اضطرام الحرب الأهلية بين المسلمين، وأن يعاون بذلك في إضعاف قواهم والتمهيد لسحقهم. وبذل أبو الحسن حين عوده إلى العرش جهده لافتداء ولده، لا بباعث الحب له والشفقة عليه، ولكن لكي يحصل في يده، ويأمن شرّه ومنافسته، وعرض على فرديناند نظير تسليمه أن يدفع فدية كبيرة، وأن يطلق عدداً من أكابر النصارى المأسورين عنده، فأبى فرديناند وآثر أن يحتفظ بالأسير إلى حين. وبذلت الأميرة عائشة من جهة أخرى مجهوداً آخر لإنقاذ ولدها بمؤازرة الحزب الذي يناصره، وأرسلت إلى ملك قشتالة سفارة على رأسها الوزير ابن كماشة، ليفاوض في الإفراج عن الأسير مقابل الشروط التي يرضاها. وانتهت المفاوضات بين الفريقين بعقد معاهدة سريّة تتلخص نصوصها فيما يلي: أن يعترف أبو عبد الله بطاعة الملك فرديناند وزوجه الملكة ايزابيلا، وأن يدفع لهما جزية سنوية قدرها اثنا عشر ألف دوبلاً من الذهب، وأن يفرج في الحال عن أربعمائة من أسرى النصارى الموجودين في غرناطة، يختارهم ملكهم، ثم يطلق بعد ذلك في كل عام سبعين أسيراً لمدة خمسة