بدعوته (١). ولم يك شك في أن عقد مثل هذه المعاهدة كان خطوة كبيرة في سبيل القضاء على مملكة غرناطة، وقد وضع فرديناند برنامجه المحكم لكي يستغلّ أسر ملك غرناطة ويستعين به على تنفيذ برنامجه المدمّر. وكان أبو عبد الله أميراً ضعيف العزم والإدارة، قليل الحزم والخبرة، ولم يكن يتمتع بشيءٍ من الخلال الباهرة التي امتاز بها أسلافه وأجداده العظام من بني الأحمر. وكان الملك والحكم غايته، يبتغيها بأي الأثمان والوسائل. وقد ألفى ملك قشتالة القوي في ذلك الأمير الضعيف الطموح، أداة صالحة يوجهها كيفما شاء، فاتخذه وسيلة لبث دعوته بين أنصاره ومؤيديه في غرناطة وغيرها، وليقنع المسلمين بأن الصلح مع ملك قشتالة خير وأبقى. وسيَّر ملك قشتالة في نفس الوقت قواته في أنحاء مملكة غرناطة لكي تنتزع أثناء الاضطراب العام، كل ما يمكن انتزاعه من القواعد والحصون الإسلامية. وزحف القشتاليون على منطقة الغربية (غربي ولاية مالقة) في أوائل سنة (٨٩٠ هـ) واستولوا على حصن قرطبة وحصن ذكوين وعدة حصون أخرى تقع شمال غربي مالقة في منتصف الطريق بينها وبين رندة، وبذلك عزلت مدينة رندة، وأصبح الطريق ممهّداً للاستيلاء عليها. وعلى أثر ذلك زحف القشتاليون على رندة، وهي معقل الأندلس في قاصية الغرب وهاجموها، وضربوها بالأنفاط حتى هدمت أسوارها، وكانت حاميتها بقيادة حامد الثغري زعيم قبيلة غمارة. ولم يستطع أهل رندة أن يثبتوا طويلاً لعدم استعدادها للدفاع، ولبعدهم عن العاصمة، ويأسهم من تلقي الإمداد السريع، فطلبوا الأمان، وغادروا المدينة بأمتعتهم، واستولى القشتاليون على رندة في (جمادى الأولى سنة ٨٩٠ هـ - نيسان - أبريل ١٤٨٥ م)، ثم استولوا بعد ذلك على سائر الأماكن والحصون الواقعة في تلك المنطقة، وكان سقوط هذه المدينة الأندلسية التالدة ضربة شديدة للمسلمين، وبسقوطها انهارت كل