للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلاع والحصون التي تحمي مشارف غرناطة، وأصلحوها وشحنوها بالرجال والمؤن، لتؤدي دورها فيما بعد في التضييق على العاصمة وتهديدها (١).

وهنا نقف قليلاً لنتساءل عن حقيقة هذه "الأنفاط" التي توالى ذكرها في سير هذه المعارك، خاصة في لوشة ورندة والحصون المجاورة، والتي كانت فيما يبدو عمدة النصارى في التفوق على المسلمين في تحطيم تلك الحصون القوية. وقد أشارت الرواية الإسلامية عن سقوط غرناطة إلى الأنفاط، وهي رواية صاحب أخبار العصر، وهي التي كتبها بعد وقوع تلك الأحداث بنحو نصف قرن فقط، وكان شاهداً ومشاركاً فيها، إلى تلك الأنفاط في عدة مواضع، ثم وصفها لنا بهذا الوصف: "وكان له (أي ملك قشتالة) أنفاط يرمى بها صخوراً من نار، فتصعد في الهواء، وتنزل على الموضع، وهي تشتعل ناراً، فتهلك كل مَن نزلت عليه وتحرقه، فكان ذلك من جملة ما كان يخذِّل في أهل المواضع التي كان ينزل فيها" (٢).

ونحن نعرف أن مسلمي المشرق كانوا منذ أيام الحروب الصليبية، يحذقون استعمال الرمي بالنار والأنفاط، وأن هذه النار كانت ترمى من آلات قاذفة تعرف بالحراقات، على معسكرات العدو وحصونه وسفنه في البحر فتفتك بها. وقد لعبت هذه النار دوراً مهماً في الحروب الصليبية، وألفت فيها مصر سلاحاً منيعاً لردّ عدوان الصليبيين وتمزيق حملاتهم. والظاهر أن هذا السلاح الذي استأثر به المسلمون مدى حين في الشرق، قد عرفه مسلمو إفريقية والأندلس منذ منتصف القرن السابع الهجري، واستعملوه في محاربة أعدائهم نصارى إسبانيا. ففي حصار لبلة (٦٥٥ هـ - ١٢٥٧ م) استعمل الموحّدون لدفع جيوش الفونسو العاشر ملك قشتالة، آلات تقذف حجارة ومواد ملتهبة يصحبها دوي كالرعد. وقد كان استعمال هذه النار أو الأنفاط الفتاكة يتطوّر بلا ريب مع العصور. ومنذ منتصف القرن الثامن الهجري


(١) أخبار العصر (٢٢).
(٢) أخبار العصر (٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>