للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أننا نرى - على ضوء الرواية الإسلامية، وسير الحوادث أيضاً، وتحيّز ملكي قشتالة لأبي عبد الله دون مسوِّغ - أن موقف أبي عبد الله من حوادث لوشة كان موقفاً مريباً. والواقع أنه كان يبذل جلّ جهده للدعوة إلى قضيته، وإلى مقاومة عمّه ونزعه عن العرش. وكان يمزج الدعوة لنفسه بالدعوة لملك قشتالة، ويشيد بمزايا الصلح المعقود معه، ولم يكن خافياً أنه كان يستظلّ بمظاهرة النصارى وتأييدهم، وأنه غدا آلة في يد ملك قشتالة يعمل بوحيه وتوجيهه (١)، فهو عميل للأجنبي كما يبدو.

ولما غادر ملك قشتالة لوشة، أخذ معه أبا عبد الله إما أسيراً - حسبما يذكر صاحب أخبار العصر - أو أنه سار معه ليستمدّ عونه في تنفيذ خطته للاستيلاء على عرش غرناطة، وهي خطة يؤيدها ملك قشتالة ويشجعها، لأنها تخدم أغراضه ومطامعه في القضاء على تلك المملكة الصغيرة التي مزّقتها الحرب الأهلية.

ولم يُغفل فرديناند تلك الفرصة الذهبية لانتزاع ما يمكن انتزاعه من أراضي مملكة غرناطة، فبينما الحرب الأهلية تضطرم في العاصمة وحولها، إذ سار النصارى إلى حصن إلورة الواقع شمال غربي غرناطة، وحاصروه وضربوه بالأنفاط حتى اضطروا أهله إلى التسليم والخروج عنه، ثم سار إلى حصن مكلين الواقع شمال شرقي إلورة وهاجموه. ونشبت بينهم وبين المدافعين عنه معركة عنيفة، انتهت بتحطيم أسواره بفعل الأنفاط واستيلائهم عليه، وخروج أهله عنه إلى غرناطة. ثم استولى النصارى بعد ذلك على حصن قلمبرة الواقع شرقي مكلين بالأمان (٢)، إذ رأى أهله ما نزل بغيرهم، ففضّلوا التسليم دون قتال. واستولوا بعده على سلسلة أخرى من


(١) نهاية الأندلس (١٩٦).
(٢) حصن إلورة أو بلدة إلورة: هي بالإسبانية Illora، وموكلين أو مكلين هي بالإسبانية Maclin، وقلمبرة هي Colomera، وهي اليوم من بلاد منطقة غرناطة الشمالية الغربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>