للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية، عقب عوده من الأسر بنحو عام، ولكنّه لم يكن يحكم تلك المرة سوى مملكة صغيرة، وكان المفروض فوق ذلك أن يحكمها باسم ملك قشتالة وتحت حمايته، وكانت الخطوب والفتن توالت على مملكة غرناطة قد مزّقتها، ولم يبق منها بيد المسلمين سوى بضع مدن وقواعد متناثرة، مختلفة الرأي والكلمة، ينضوي بعضها تحت لوائه، وتشمل الأنحاء الشمالية والغربية، وينضوي بعضها الآخر تحت لواء عمّه محمد بن سعد (الزغل)، وتشمل الأنحاء الشرقية والجنوبية. وكان واضحاً أن مصير المملكة الإسلامية أصبح يهتزّ بيد القدر، بعد أن نفذت جيوش النصرانية إلى قلبها، واستولت على كثير من قواعدها وحصونها الداخلية، مثل الحامة ورندة ولوشة وبلش مالقة وغيرها. وكان ملك قشتالة يحرص على المضي في تحقيق خططه لسحق البقية الباقية من دول الإسلام في الأندلس، قبل أن يعود إليها اتحاد الكلمة، فيبعث إليها روحاً جديدة من العزم والمقاومة. وكان من الطبيعي أن يُؤثِر البدء بغزو القواعد الشرقية والجنوبية التي يسيطر عليها مولاي الزغل، لأن الزغل لم يكن يدين بطاعته، وكان يبدي في مقاومته عزماً لا يلين ولا يخبو، ولأنه من جهة أخرى يرتبط بأمير غرناطة بصلح يمتد إلى عامين، وقد أراد أن يسبغ على عهوده مسحة غادرة من الوفاء، وأخيراً لأنه كان يريد أن يعزل غرناطة، وأن يطوّقها من كل صوب، قبل أن يسدّد إليها الضربة الأخيرة.

وقد رأينا كيف سقطت قاعدة بلش حصن مالقة من الشرق في يد النصارى، بعد دفاع عنيف (في جمادى الأولى سنة ٨٩٢ هـ - أيار - مايو ١٤٨٧ م). وعلى أثر سقوطها غادرها معظم أهلها، وتفرّقوا في أنحاء الأندلس الأخرى الباقية بيد المسلمين، وجاز كثير منهم إلى عدوة المغرب، واستولى النصارى على جميع الحصون والقرى المجاورة، ومنها حصن قمارش وحصن مونتميور، واستطاعوا بذلك أن يشرفوا على مالقة من كل صوب. وكانت مالقة ما تزال أمنع ثغور الأندلس، وقد أضحت بعد سقوط

<<  <  ج: ص:  >  >>