جبل طارق عِقْد صلتها الأخيرة بعدوة المغرب، وكان فرديناند يحرص على أن يقطع كل وسيلة ناجعة لقدوم الإمداد من إفريقية وقت الصراع الأخير، وكان الاستيلاء على مالقة يحقق هذه الغاية، ومن ثمَّ فإنه ما كاد النصارى يظفرون بالاستيلاء على بلش والحصون المجاورة، حتى زحفوا على مالقة وطوّقوها من البر والبحر بقوات كثيفة، وذلك (في جمادى الثانية سنة ٨٩٢ هـ - حزيران - يونية ١٤٨٧ م). وامتنع المسلمون داخل مدينتهم، وكانت تموج بالمدافعين، وعلى رأسهم نخبة ممتازة من أكابر الفرسان، ومعهم بعض الأنفاط والعُدد الثقيلة. وكانت مالقة تدين بالطاعة للأمير محمد بن سعد (الزغل) صاحب وادي آش، ولكنه لم يستطع أن يسير إلى إنجادها بقواته خوفاً من غدر ابن أخيه أمير غرناطة، فترك مالقة إلى مصيرها وهو يذوب تحسّراً وأسىً. ولكنه فكر في وسيلة أخرى لعلّها تجدي في إنقاذ الأندلس من خطر الفناء الداهم، وهي أن يستغيث بملوك الإسلام لآخر مرة، فأرسل رسلاً إلى أمراء إفريقية وإلى سلطان مصر الأشرف قايتباي. ولم يكن من المنتظر إزاء بعد المسافة أن تصبر مالقة على ضغط النصارى حتى يأتيها المدد المنشود. وكان يتولى الدفاع عن الثغر المحصور جند غمارة وزعيمهم حامد الثّغري. وأبدى المسلمون في الدفاع عن ثغرهم أروع ضروب البسالة والجلد، وحاولوا غير مرّة تحطيم الحصار المضروب عليهم، وفتكوا بالنصارى في بضع مواقع محليّة، ومع ذلك فقد ثابر النصارى على ضغطهم وتشديد نطاقهم، حتى قطعت كل علاقة للمدينة المحصورة مع الخارج، ومنعت عنها سائر الإمداد والأقوات، وعانى المسلمون داخل مدينتهم أهوال الحصار المروّع، واستنفدوا كل ما وصلت إليه أيديهم من الأقوات، وأكلوا الجلود وأوراق الشجر، وفتك بهم الجوع والإعياء والمرض، ومات كثيرون من أنجاد فرسانهم، ولم يجدوا لهم في النهاية ملاذاً سوى التسليم، على أن يؤمِّنوا على أنفسهم وأموالهم. وهكذا سقطت مالقة - بعد دفاع مجيد استمر ثلاثة أشهر - في أيدي النصارى، وذلك (في أواخر شعبان ٨٩٢ هـ - ١٨ آب