أندلسي قديم، ولكن دول المغرب كانت يومئذ في ضعف وتفرّق، لم تكن في استطاعتها أن تهرع إلى إنجاد الأندلس، كما فعلت في الماضي غير مرّة. ولم يُلب نداء مولاي الزغل، سوى شراذم ضئيلة من المجاهدين المتطوعين، جازت البحر إلى الأندلس.
وأما استغاثة الأندلس بمصر، فلم تقع إلاّ في عهد متأخر، وذلك حينما ضعف أمر بني مرين ملوك العدوة الأقوياء، وانقطعوا عن العبور إلى الأندلس، وشغلوا بأمر الدفاع عن أنفسهم. وقد بعث السلطان أبو عبد الله الأيسر سفارة إلى مصر سنة (٨٤٤ هـ - ١٤٤٠ م) لم تسفر عن أية نتائج عملية. على أنه لم يكن ثمة ريب في أن الحوادث الأندلسية المفجعة، كانت قد ذاعت يومئذ في أنحاء العالم الإسلامي، واهتزّ لمصابها حكام المسلمين قاطبة، وكان صداها يتردد في بلاط القاهرة وغيره، وكان أمراء الأندلس وزعماؤها مذ لاح لهم شبح الخطر الداهم، يتّجهون بأبصارهم إلى دول المغرب والمشرق معاً، وكانت كتبهم ونداءاتهم في تلك الآونة العصيبة تترى على مراكش والقاهرة والقسطنطينية. وفي مصادر العصر ما يدل على أن مصر كانت بنوع خاص تتابع حوادث الأندلس باهتمام وجزع، فإن ابن إياس مؤرخ مصر في ذلك العصر، لم يفته أن يدوِّن في حولياته هذه الحوادث تباعاً، فيقول في حوادث ذي الحجة سنة (٨٨٦ هـ - ١٤٨١ م): "وفيه جاءت الأخبار من بلاد الغرب أن أبا عبد الله محمد بن أبي الحسن بن علي ابن سعد بن الأحمر، قد ثار على أبيه الغالب بالله صاحب غرناطة وملكها من أبيه، وجرت بينهما أمور يطول شرحها، وآل الأمر بعد ذلك إلى خروج الأندلس عن المسلمين، ومَلَكَها الفرنج، والأمر لله في ذلك". وفي حوادث رجب سنة (٨٩٠ هـ - ١٤٨٥ م): "وفي رجب جاءت الأخبار بوفاة ملك الأندلس صاحب غرناطة، وهو الغالب بالله أبو الحسن". وفي حوادث جمادى الآخرة سنة (٨٩١ هـ - ١٤٨٦ م): "إن صاحب غرناطة أبا عبد الله توجه إلى عمه أن يرسل له نجدة تعينه في قتال صاحب قشتالة، وإن الفتن هناك قائمة،