للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقطيعة، وكان العثمانيون يتربصون بمصر ويطمحون إلى غزوها، وكانت مصر تخشى العدوان ويسودها التوجّس والحذر، وكان انفصام العلائق بين مصر والعثمانيين على هذا النحو، أبعد من أن يسمح بعقد مثل هذا التحالف بينهما، وكل ما يمكن قوله في هذا الشأن، هو أن فكرة إنجاد الأندلس كانت تلقى في بلاط القاهرة والقسطنطينية نفس العطف، وإن لم يتفاهما في ذلك على خطة موحدّة.

وعلى كل حال، فمن المحقق الذي لا ريب فيه أن مصر تلقت استغاثة الأندلس، ووضعت خطة سياسية خاصة لإسعافها وإنجادها. وقد وصلت سفارة الأندلس إلى مصر في أواخر سنة (٨٩٢ هـ - ١٤٨٧ م)، ويصف ابن إياس هذه السفارة بما يأتي: "وفي ذي القعدة من سنة (٨٩٢ هـ) جاء قاصد من عند ملك المغرب صاحب الأندلس، وعلى يده مكاتبة من مُرْسِلِه تتضمن أن السلطان يرسل له تجريدة تعينه على قتال الفرنج، فإنهم أشرفوا على أخذ غرناطة، وهو في المحاصرة معهم، فلما سمع السلطان ذلك، اقتضى رأيه أن يبعث إلى القسوس الذين بالقيامة التي بالقدس بأن يرسلوا كتاباً على يد قسيس من أعيانهم، إلى ملك الفرنج صاحب نابولي، بأن يكاتب صاحب إشبيلية بأن يحل عن أهل غرناطة ويرحل عنهم، وإلاّ يشوّش السلطان على أهل القيامة، ويقبض على أعيانهم، ويمنع جميع طوائف الفرنج من الدخول إلى القيامة ويهدمها، فأرسلوا قاصدهم وعلى يده كتاب إلى صاحب نابولي كما أشار السلطان، فلم يفد ذلك شيئاً، وملك الفرنج مدينة غرناطة فيما بعد" (١). وفي رواية ابن إياس شيء من اللّبس، ذلك أن حصار النصارى الأخير لغرناطة، لم يبدأ إلاّ في مارس سنة (١٤٩١ م) الموافق جمادى الثانية سنة (٨٩٦ هـ)، فالأمر لم يكن متعلّقاً إذاً بإنقاذ غرناطة. وكانت جيوش فرديناند وإيزابيلا منذ بداية سنة (٨٩٢ هـ) تتدفق كما رأينا على أراضي مولاي الزغل لكي تنتزع منه


(١) تاريخ مصر (٢/ ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>