ولسنا نعرف ما كان مصير رسالة الملكين، ونرجّح أنها وصلت إلى بلاط القاهرة، وإن كنا لا نلمس لها أثراً في حوادث العصر. وليس في تصرّفات حكومة مصر يومئذ ما يدل على أن السلطان نفّذ وعيده، باتخاذ إجراءات معينّة ضد النصارى، أو ضدّ الآثار النصرانية المقدسة، فقد كان وعيد السلطان وعيداً فارغاً، ولو علم ملكا النصارى في إسبانيا أن وعيده حق، لتغيّر الموقف برمته، كما تغير موقف هرقل ملك الروم حين هدّده عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه إذا لم يُعد نصارى تغلب الذين هاجروا إلى الروم، فإنه سيخرج النصارى من بلاد المسلمين، فانصاع هرقل لوعيد عمر بن الخطاب لأنه يعلم أنه صادق، ولم ينصع الملكان لوعيد سلطان مصر، لأنهما يعلمان أن وعيده كاذب. والواقع أن القاهرة كانت مشغولة يومذاك بحركات بايزيد الثاني، وصدّ غاراته المتكررة على الحدود الشمالية. وكان الاضطراب من جهة أخرى يسود شئون مصر الداخلية، ومن ثمّ فإن محاولة مصر إنقاذ الأندلس قد وقفت عند هذا الحد: كلام في كلام، ولم تقم مصر بمظاهرة دولية لاستغلال الظروف والمؤثرات الدينية، فاخفقت محاولة مصر السياسية، وتركت الأندلس إلى قضائها المحتوم.
وكان سقوط مالقة أمنع الثغور الأندلسية في يد النصارى ضربة أليمة للمملكة الإسلامية الممزّقة، يحرمها من كثير من ضروب الإمداد والغوث التي كانت تأتيها من وراء البحر، وكان واضحاً أن ملك قشتالة كان يرمي إلى قطع هذا الإمداد بكل الوسائل. ولم يكن باقياً بعد ضياع جبل طارق ومالقة من الثغور بيد المسلمين سوى ألمرية والمنكب، وإليهما كانت تفد جموع المتطوعة والمجاهدين، بالرغم من بعدهما عن شاطئ العدوة، وكان لابد من الاستيلاء عليهما قبل أن تقطع كل صلة للأندلس نهائياً بعدوة المغرب وشمالي إفريقية. وقضى فرديناند قبل تنفيذ هذه الخطة زهاء عام، يعمل على تطهير منطقة مالقة والاستيلاء على ما بقي من الحصون الشرقية والغربية، حتى استولى عليها جميعاً، ولم يبق منها بيد المسلمين شىء.