واستمع إلى رسالتهما بعناية. وكان السفيران قد عرّجا في طريقهما على رومة ونابولي أولاً، وقدّما كُتُبَ السلطان إلى البابا إنوصان الثامن وإلى ملك نابولي، فكتب البابا إلى فرديناند وإيزابيلا يسألهما عما يجيب به على مطالب السلطان ووعيده، وكتب ملك نابولي (فرديناند الأول) إليهما يستفهم عن سير الحرب الأندلسية، ويلومهما على اضطهاد المسلمين، وينصح بالكفّ عنهم، حتى لا يتعرض نصارى المشرق إلى قصاص السلطان. ويرجع تدخل ملك نابولي على هذا النحو إلى خلاف بينه وبين ملك أرغون على حقوق عرش نابولي، وإلى تخوّفه من أن يرتد فرديناند إلى محاربته متى تمَّ ظفره بما تبقى للمسلمين في الأندلس. ثم زار القسّان أيضاً مدينة جيّان حيث كانت الملكة إيزابيلا، وأبلغاها موضوع سفارتهما، ولقيا منها نفس الحفاوة والترحاب (١).
ولم ير فرديناند وإيزابيلا في مطالب السلطان ووعيده ما يحملهما على تغيير خطتهما، في الوقت الذي أخذت فيه قواعد الأندلس الباقية تسقط تباعاً في أيديهما، واقترب فيه النصر النهائي، ولكنّهما رأيا مع ذلك إجابة السلطان، فكتبا إليه في أدب ومجاملة:"إنهما لا يفرِّقان في المعاملة بين رعاياهما المسلمين والنصارى، ولكنهما لا يستطيعان صبراً على ترك أرض الآباء والأجداد في يد الأجانب، وأن المسلمين إذا شاءوا حياة في ظلّ حكمهما راضين مخلصين، فإنهم سوف يلقون منهما، نفس ما يلقاه الرعايا الآخرون من الرعاية"، وبذا ارتد القسّان إلى المشرق، يحملان جواب الملكين إلى السلطان، ومعهما طائفة من التحف والهدايا.
ومن الواضح، أن وعيد سلطان مصر كان كاذباً، كما أن جواب الملكين له كان كاذباً أيضاً، لا يصدقه كاتبه ولا غيره، في الوقت الذي كان المسلمون في الأندلس يعانون الهول من النصارى، دون أن يتجاوب المسلمون الآخرون معهم إلاّ بالتظاهر وضياع الوقت سدىً والكذب والزور.
(١) Prescott: ibid; P. ٢٧٨ وأنظر Irving: ibid; P. ٢٥٨