وفي الوقت الذي اقتربت فيه القوات القشتالية من مدينة بسطة، أمنع قاعدة في ولايات غرناطة الشرقية، لتضرب حولها الحصار، سار فرديناند في بعض قواته إلى ثغر المنكب (١)، الواقع في منتصف المسافة بين مالقة وألمرية، وحاصره، وكان يدافع عنه القائد محمد بن الحاج. ومع أنه لم يك ثمة شك في النتيجة المحتومة، فقد دافع المسلمون عن ثغرهم، واعتصموا به نحو ثلاثة أشهر، وكبدوا القشتاليين بعض الخسائر. ثم وقعت المفاوضات في التسليم، وأصدر الملكان الكاثوليكيان للقائد ابن الحاج ومعاونه الفقيه أبي عبد الله الزليخي، عهداً خلاصته: أنه إذا سلّم القصبة وكل حصونها في ظرف تسعة أيام، فإنه يُقْبَلُ هو وولده وصحبه وقرباه، كما يُقبل الوزراء والقواد والفقهاء وسائر أهل المنكب بين رعايا قشتالة، وأنهم يُتركون آمنين في ديارهم وأنفسهم وأموالهم، ويحتكمون إلى شريعتهم، ونترك لهم مساجدهم وصوامعهم، ولا يؤخذ منهم خيلهم أو سلاحهم إلاّ طلقات البارود، وأنه إذا تمّ التسليم في الموعد المذكور، فإنه تُقدّم إلى القائد هبة قدرها ثلاثة آلاف دوبلاً قشتالياً، وأنه إذا شاء العبور إلى المغرب مع ولده وأسرته، فإنه تُقدّم إليه سفينة حسنة للجواز فيها مع سائر متاعه دون كراء أو مغرم، وأنه لا تمسّ أملاك الأهالي، ولهم بيعها أو قبض ريعها إذا عبروا إلى المغرب. وهكذا سلّم ثغر المنكب إلى القشتاليين في شهر (محرم سنة ٨٩٥ هـ - كانون الأول - ديسمبر سنة ١٤٨٩ م)، ولم يبق للمسلمين من الثغور سوى ألمرية التي طوّقها العدو في نفس الوقت بقواته، وأصبحت تحت رحمته وشيكة التسليم.
ولما تم قطع علائق الأندلس على هذا النحو مع عدوة المغرب وشمالي إفريقية، بدأ فرديناند بتنفيذ خطته النهائية للقضاء على ما بقي في الداخل من المملكة الإسلامية. وكانت مملكة غرناطة قد انقسمت كما رأينا إلى شطرين: