الأنحاء الشرقية وتشمل وادي آش وأعمالها، ويحكمها الأمير أبو عبد الله محمد بن علي، فقرر فرديناند أن يبدأ بالاستيلاء على الأنحاء الشرقية، وأن يقضي أولاً على السلطان أبي عبد الله الزغل لما كان يخشاه من عزمه وشديد بأسه. فما كاد ينتهي من إخضاع ثغر المنكب وتطويق ثغر ألمرية، حتى قرر تضييق الخناق على مدينة بسطة، وكانت قواته تطوّقها حسبما تقدم، وكانت الملكة إيزابيلا مع حاشيتها في جيَّان على مقربة من الجيش الغازي، وكانت بسطة أهمّ القواعد التي يسيطر عليها مولاي الزغل بعد وادي آش مقرّ حكمه. ولم يستطع الزّغل مغادرة مقرّ حكمه في وادي آش للدفاع عن بسطة، خشية أن يهاجمه ابن أخيه أبو عبد الله في غيبته فأرسل إليها حامية مختارة من أنجاد الفرسان بقيادة صهره الأمير يحيى النيار الذي تعرّفه التواريخ القشتالية:(بسيدي يحيى). وحاول القشتاليون الإطباق على بسطة ومحاصرتها، فردّهم المسلمون عن أسوارها غير مرّة، ونشبت بين الفريقين خارج الأسوار عدة معارك حامية مُنِي فيها النصارى بخسائر فادحة. ومع أن النصارى بدأوا هجومهم على بسطة في (شهر رجب سنة ٨٩٤ هـ - حزيران - يونيه ١٤٨٩ م)، فإنهم لم يستطيعوا تطويقها ومحاصرتها بصورة فعلية إلاّ بعد ثلاث أشهر وهنا امتنع المسلمون داخل المدينة بعد أن أثخنوا في عدوِّهم غير مرة، واستنفدوا قواتهم المدّخرة. وضيَّق النصارى الحصار على بسطة لمدة ثلاثة أشهر أخرى، حتى ضاق أهلها بالحصار ذرعاً. وقلَّت الأقوات واشتد الكرب. ولما رأى المسلمون أنه لم يبق في الدفاع ثمة أمل، وقد نفدت المؤن، وفتك الجوع والمرض بالعامة، اعتزموا مفاوضة القشتاليين في التسليم. وبالرغم مما أبداه زعيمهم يحيى النيار في البداية من براعة في تنظيم الدفاع عن بسطة وألمرية، وبالرغم من ما أبداه من بسالة في المعارك التي نشبت ضد القشتاليين، فإنه في النهاية رأى أن يترك هذا الصراع اليائس، وأن يفوز من المعركة بأحسن مما يستطيع لنفسه وذويه. وهذه هي الوثيقة السرية التي عقدها القائد يحيى مع مندوب الملك فرديناند الدون جوتييري دي