للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحوّلوا المرج الأخضر إلى بسيط من القفر الموحش، وقطعوا بذلك عن غرناطة مورداً من أهم مواردها (١).

وضرب فرديناند حول الحاضرة الإسلامية الحصار الصارم، وصمم على استمراره حتى يستولي عليها أو تستسلم، وقرّر تأكيداً لهذا العزم أن ينشئ لجيشه في المكان الذي عسكر فيه، مدينة مسوّرة تقيه برد الشتاء إذا ما حلّ، وتم بناء هذه المدينة الجديدة في ثلاثة أشهر، وأسمتها الملكة إيزابيلا (سانتا في Santa Fe) وبالعربية "شنتفي" أو الإيمان المقدس، وذلك تنويهاً بالمغزى الديني لهذه الحرب الصليبية، وما زالت هذه المدينة التاريخية تقوم حتى اليوم، في المكان الذي أنشئت فيه، على قيد مسافة قريبة من جنوب غربي غرناطة، ويصفها المؤرخ الإسباني، بأنها: "المدينة الإسبانية الوحيدة التي لم تطأها قط قدم مسلم" (٢). وهكذا بدأ الفصل الأخير من الصراع بين النصرانية والإسلام في إسبانيا، ولم يك ثمة شك في نتيجة هذا الصراع الذي أعدت له إسبانيا النصرانية عدّتها الحاسمة، ومهّدت له جميع الوسائل والسبل. وغرناطة يومئذٍ بلد إسلامي وحيد هو البقية الباقية من دولة عظيمة تالدة، يحيط بها العدو كالموج من كل ناحية، مزوّداً بالعدد والمؤن الموفورة، وقد قطعت كل موارده وصلاته بالخارج. وكان هذا هو موقف غرناطة آخر الحواضر الإسلامية بالأندلس في صيف سنة (١٤٩١ م). على أن غرناطة لم تكن مع ذلك غنماً سهلاً، فقد كانت منيعة بموقعها وظروفها، تحميها من الشرق آكام جبل شلير "سيرا نافادا" الشامخة، وتحميها من الجنوب، أي من الجهة المواجهة للمعسكر النصراني، أسوار وأبراج في منتهى الكثافة والمناعة، وكانت غرناطة يومئذ تموج بالوافدين إليها من مختلف القواعد الإسلامية الذاهبة، وتضم بين أسوارها من السكان أكثر من مائتي ألف نفس، ومع أن هذا العدد الضخم من الأنفس كان عبئاً ثقيلاً على مواردها المحدودة،


(١) أخبار العصر (٤٤)، وأنظر: Prescott: ibid; P. ٢٩٤
(٢) Prescott; ibid; P. ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>