للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غرناطة، حتى ظهر فرديناند بجيشه أمام وادي آش، ورأى أن يأخذ الأمر باللّين والرفق، فأذاع الأمان لمن عاد إلى وطنه، وأذن لمن شاء بالرّحيل، وغادر المسلمون وادي آش وأعمالها. وحدث مثل ذلك في ألمرية وبسطة، فترك المسلمون بيوتهم وأوطانهم حاملين ما استطاعوا من أمتعتهم وأموالهم، وسارت جموع غفيرة إلى غرناطة، وجازت جموع أخرى البحر إلى المغرب، وأقفرت تلك الأنحاء من معظم سكانها المسلمين، وبعث إليها ملك قشتالة بجموع من النصارى لتعميرها، فانتهز أبو عبد الله فرصة هذا الاضطراب، فاستولى على حصن أندراش للمرة الثانية، واستولى على عدد آخر من الحصون الهامة (١). وقد أيقن ملك قشتالة أنه لابد لاستتباب الأمور في المناطق الإسلامية المفتوحة، من الاستيلاء على غرناطة التي ما زالت تثير بمثلها وصلابتها روح الثورة في تلك الأوطان المغلوبة على أمرها، فقضى الشتاء كله من سنة (١٤٩٠ م) في الاستعداد والأهبة. وفي أوائل سنة (١٤٩١ م) خرج فرديناند في قواته معتزماً أن يقاتل الحاضرة الإسلامية حتى ترغم على التسليم. ويُقدر بعض المؤرخين هذا الجيش الذي أُعدّ للاستيلاء على غرناطة بخمسين ألف مقاتل من الفرسان والمشاة، ويقدره بعضهم الآخر بثمانين ألفاً (٢)، وزوّد فرديناند جيشه بالمدافع والعدد الضخمة والذخائر والأقوات الوفيرة. وأشرف ملك قشتالة بجيشه على فحص غرناطة ( La Vega) الواقع جنوب غربي الحاضرة الإسلامية في اليوم (الثالث والعشرين من نيسان - أبريل سنة ١٤٩١ م - ١٢ جمادى الثانية ٨٩٦ هـ) وعسكر على ضفاف نهر شنيل، علي قيد فرسخين من غرناطة في ظاهر قرية تسمى: "عتقة". وأرسل في الحال بعض جنده إلى حقول البشرات القريبة التي تمدّ غرناطة بالمؤن فأتلفوا زرعها وهدموا قراها، وأمعنوا في أهلها قتلاً وأسراً،


(١) أخبار العصر (٣٨ - ٤٨) ونفح الطيب (٢/ ٦١٤)، وأنظر: Prescott ; ibid; P. ٢٩٠-٢٩١، ويوجد فرق يسير بين الروايتين الإسلامية والنصرانية في التفاصيل.
(٢) Prescott: ibid; P. ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>