للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحمراء الخارجية، دون أن يرمق أحداً، أو يفوه بكلمة، ثم ذهب إلى داره، وغطى نفسه بسلاحه، واقتعد غارب جواده المحبوب، واخترق شوارع غرناطة حتى غادرها من باب إلبيرة، ولم يره إنسان أو يسمع به بعد ذلك قط، هذا ما تقوله الرواية القشتالية عن نهاية موسى بن أبي الغسان (١)، ولكن مؤرخاً إسبانياً هو القس أنطونيو أجابيدا يحاول أن يلقي ضوءاً على مصيره فيقول: إن سرية من الفرسان النصارى تبلغ الخمسة عشر، التقت ذلك المساء بعينه، على ضفة نهر شنيل بفارس مسلم قد دجّجه السلاح من رأسه إلى قدمه، وكان مغلقاً خوذته شاهراً رمحه، وكان جواده غارقاً مثله في رداء من الصلب. فلما رأوه مقبلاًَ عليهم، طلبوا إليه أن يقف، وأن يعرف بنفسه، فلم يجب الفارس المسلم، ولكنه وثب إلى وسطهم، وطعن أحدهم برمحه وانتزعه عن سرجه فألقاه إلى الأرض، ثم انقضَّ على الباقين يثخن فيهم طعاناً، وكانت ضرباته ثائرة قاتلة، وكأنه لم يشعر بما أثخنه من جراح، ولم يرد إلاّ أن يقتل وأن يسيل الدم، وكأنه إنما يقاتل للانتقام فقط، وكأنّه يتوق إلى أن يُقتل دون أن يعيش لينعم بظفره. وهكذا لبث يبطش بالفرسان النصارى حتى أفنى معظمهم، غير أنه أصيب في النهاية بجرح خطر، ثم سقط جواده من تحته بطعنة أخرى، فسقط إلى الأرض، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره، وأخذ يناضل عن نفسه. فلما رأى أن قواه قد نضبت، ولم يرد أن يقع أسيراً في يد خصومه ارتد إلى ما وراءه بوثبة أخيرة، وألقى بنفسه إلى مياه النهر، فابتلعته لفوره، ودفعه سلاحه الثقيل إلى الأعماق. وهذا الفارس الملثم هو موسى بن أبي الغسّان، وإن بعض العرب المتنصرين في المعسكر عرفوا جواده المقتول (٢).

وما كادت أنباء الموافقة على عهد التسليم تذاع، حتى عمّ الحزن ربوع


(١) هذه هي رواية كوندي فيما نقل عن مصادر عربية غير معروفة. Conde; ibid. V. ١١١. P. ٢٥٧.
(٢) Irving: Conquest of Granada ; ch. ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>