والكونت دى تندليا، الذي عُيّن محافظاً للحمراء، إلى قصبة الحمراء في نحو ألف فارس وألفي راجل، وسلّم إليه الأستاذ الأعظم مفاتيح القصر والحصن، وفي اليوم الثامن من كانون الثاني - يناير، سار الملكان الكاثوليكيان إلى غرناطة في موكب حافل من الأمراء والأكابر والأحبار والأشراف، وتسلّم الملكان مدينة الحمراء بصفة رسمية، وأقيم القداس في الجامع الأعظم، وحُوِّل الجامع منذ ذلك اليوم إلى كتدرائية غرناطة. وفي ذلك اليوم أقيمت مأدبة عظيمة في قصر الحمراء، ومدّت الموائد الحافلة في أبهاء القصر العظيمة، وجلس إليها الملكان والأمراء والعظماء، وكانت مأدبة رائعة.
ويستخلص من هذه الرواية التي يؤيدها مؤرخون آخرون، أن أبا عبد الله لم يستقبل الملكين الكاثوليكيين، ولا مندوبيهما وقت التسليم، ولم تقع بينه وبين الكاردينال ولا بين الملكين، الأحاديث التي سبقت الإشارة إليها.
وإلى جانب ذلك، يرى بعض النقدة المحدثين، أن أبا عبد الله حينما خرج للقاء الملكين الكاثوليكيين، قد فعل ذلك وهو في صحبه وحشمه فقط دون أهله، وأنه خرج يومئذٍ من داره الملكية الخاصة بحي البيازين، ولم يخرج من قصر الحمراء، وأنه كان يعيش في هذه الدار مع أهله وولده مذ عاد من الأسر، حتى أعلن الخلاف والحرب على الملكين الكاثوليكيين، وأنه كان يشعر وهو في هذه الدار، أنه بين أنصاره ومؤيديه. وأخيراً أنه كان قد أمر بإخلاء قصر الحمراء، وندب مَن يقوم بمهمّة التسليم في اليوم الثاني من كانون الثاني - يناير. وفي هذا اليوم، خرج في نفر من صحبه ليقدّم إلى الملكين الكاثوليكيين شعائر التحية والخضوع، ثم عاد إلى داره فبقي بها أياماً، حتى سويت مسألة مصيره مع الملكين الكاثوليكيين. على أنه يبدو لنا من تتبع حوادث حصار غرناطة، وما تلاه من مفاوضات على التسليم، أن الرواية الراجحة في هذا الشأن، هو أن أبا عبد الله، حتى مع افتراض أنه لم يشهد رسوم التسليم، ولم يقم بها بنفسه، كان يقيم بقصر الحمراء، يحيط به وزراؤه وقواده طيلة هذه الأحداث الخطيرة، أو على الأقل مذ بدأت