للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا اختتمت المأساة الأندلسية، واستولى القشتاليون على غرناطة آخر الحواضر الإسلامية في إسبانيا، وخفق علم النصرانية ظافراً فوق صرح الإسلام المغلوب، وانتهت بذلك دولة الإسلام بالأندلس، وطويت إلى الأبد تلك الصفحة المجيدة المؤثرة من تاريخ الإسلام، وقضي على الحضارة الأندلسية الباهرة، وآدابها وعلومها وفنونها، وكل ذلك التراث الشامخ، بالفناء.

شهد المسلمون احتلال العدو الظافر لحاضرتهم ودار ملكهم وموطن آبائهم وأجدادهم، وقلوبهم تتقطر حزناً وأسى، على أن هذه المناظر المحزنة، كانت تحجب مأساة أليمة أخرى، تلك مأساة الملك التعس أبي عبد الله آخر ملوك بني الأحمر وآخر ملوك الإسلام بالأندلس. فقد تقرّر مصيره وبُيٍّنت حقوقه وامتيازاته وفقاً للمعاهدة السريّة التي عقدت بينه وبين الملكين الكاثوليكيين. وقد نصت المعاهدة المذكورة على أن يُقطَع أبو عبد الله طائفة من الأراضي والضياع في: برجة، ودلاية، وأندراش، وأجيجر، وأرجبة، ولوشار، وبضعة بلاد أخرى من أعمال منطقة البشرات، وهذه البلاد يقع بعضها في جنوب غربي ولاية ألمرية، وبعضها الآخر قبالتها في جنوب شرقي ولاية غرناطة، وأن يحكم أبو عبد الله في هذه المنطقة باسم ملك قشتالة وتحت حمايته، ويتمتع بدخلها وسائر غلاتها وحقوقها. وقد حُدّدت إقامته أو اختار هو الإقامة في إحداها وهي بلدة أندرش الواقعة على النهر المسمى بهذا الاسم شمال برجة.

ولما اقترب اليوم المروّع - يوم التسليم - قام أبو عبد الله باتخاذ أهبته للرحيل مع أهله وحشمه وخاصته. وفي صباح اليوم الثاني من كانون الثاني - يناير ١٤٩٢ م، في الوقت الذي اقترب فيه النصارى من أسوار غرناطة، كان أبو عبد الله قد غادر قصره وموطن عزّه ومجد آبائه إلى الأبد، في مناظر تثير الأسى والشجن.

وهناك روايتان، فهل خرج أبو عبد الله عندئذٍ لآخر مرة من الحمراء مع أهله

<<  <  ج: ص:  >  >>