للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحشمه وأمتعته؟ أم خرج بمفرده في صحبه من الحمراء للقاء الملكين الكاثوليكيين، ثم لحق به بعد ذلك ركب أهله وأمتعته؟ وهل سار تواً إلى طريق البشرات حيث تعيَّن محل إقامته، أم عرّج على المعسكر القشتالي الملكي في شنتفى، فلبث فيه مع أهله أياماً، ثم سار بعد ذلك إلى البشرات؟

أما الرواية الأولى، وهي أكثر الروايات ذيوعاً لدى المؤرخين القشتاليين، فتقول: في فجر اليوم الثاني من كانون الثاني - يناير، وهو اليوم الذي حُدّد لتسليم الحمراء. كان ضجيج البكاء يتردّد في غرف قصر الحمراء وأبهائه، وكانت الحاشية منهمكة في حزم أمتعة الملك المخلوع وآله، وساد الوجوم كل محيّا، واحتبست الزفرات في الصدور. وما كادت تباشير الصبح تبدو، حتى غادر القصر ركب قاتم مؤثر، وهو ركب الملك المنفى، يحمل أمواله وأمتعته، ومن ورائه أهله وصحبه القلائل، وحوله كوكبة من الفرسان المخلصين. وكانت أمّه الأميرة عائشة تمتطي صهوة جوادها، يشع الحزن من محيّاها الوقور، وكان باقي السيدات من آله وحشمه، يرسلن الزفرات العميقة والدموع السخينة. واخترق الركب غرناطة في صمت البكور وستره، وحين بلغ الباب الذي سيغادر منه المدينة إلى الأبد، ضجّ الحراس بالبكاء لرؤية هذا المنظر المؤلم، ثم اتجه الركب شطر نهر شنيل في طريق البشرات. وأما أبو عبد الله، فقد اتجه إلى وجهة أخرى ليتجرّع كأسه المرّة إلى الثمالة، وكان قد تقرر اللقاء في صباح ذلك اليوم بينه وبين ملك قشتالة، فخرج من باب مدينة الحمراء المسمى: باب الطباق السبع ( Siete Svelos) ، وفي طريقه إلى لقاء عدوه الظافر وسيده الجديد، في نفرٍ من الفرسان والخاصة. فاستقبله فرديناند بترحاب وحفاوة في محلّته على ضفة نهر شنيل، وحين لمح أبو عبد الله فرديناند همّ بترك جواده، ولكن فرديناند بادر بمنعه، وعانقه بعطف ومودّة، فقبل أبو عبد الله ذراعه اليمنى إيماءة الخضوع. ثم قدم إليه مفتاحي البابين الرئيسيين للحمراء قائلاً: "إنهما مفتاحي هذه الجنّة. وهما الأثر الأخير لدولة المسلمين في إسبانيا، وقد أصبحت أيها الملك سيّد تراثنا وديارنا

<<  <  ج: ص:  >  >>