المأساة، فنراهم يجنحون إلى الدعة والخمول، ويتركون شئون الدفاع عن المملكة، ويجنحون إلى حروب أهلية، يمزّق فيها بعضهم بعضاً، والعدو وراءهم متربص متوثب يرقب الفرص. وقد كان هذا شأن مملكة غرناطة وشأن بني الأحمر، ولاسيما منذ أوائل القرن التاسع الهجري أو أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، ومنذ عهد الأمير علي أبي الحسن، تبلغ الحرب الأهلية ذروتها الخطرة، ويغدو مصير المملكة الإسلامية رهين رحمة القدر، وقد شاء القدر أن يكون السلطان أبو الحسن، وأخوه محمد بن سعد المعروف بالزغل، وولده أبو عبد الله محمد أبطال المأساة الأخيرة، حملتهم نفس الأطماع والأهواء الخطرة، فانحدروا إلى معترك الحرب الأهلية، وشغلتهم الحرب الأهلية طول الوقت عن أن يقدروا حقائق الموقف، وأن يستشعروا الخطر الداهم، وأن يستجمعوا قواهم المشتركة لمواجهة العدو المشترك. وانحدر أبو عبد الله إلى أخطر ما في هذه المعركة المميتة من وسائل الإغراء والتفوق، فجنح إلى محالفة العدو الخالد، ولم يحجم عن أن يستعدي ملك النصارى على أبيه وعمه، كي ينتزع الملك لنفسه، فلما ظفر بعرش غرناطة بمؤازرة ملك قشتالة، لم يكن سوى صنيعته وأسير وحيه. وكان عمّه الزغل قد بسط سلطانه على الأنحاء الشرقية والجنوبية، فلم يحجم عن مهاجمته في نفس الوقت الذي هاجمه فيه ملك النصارى لينتزع منه ما تحت يده، وكان الزغل في الواقع بطل المعركة الأخيرة، وقد أبدى في مقاومة العدو بسالة رائعة خلدتها سير العصر. ولم يشعر أبو عبد الله بفداحة خطئه إلاّ بعد تحوّل حليفه الغادر ملك قشتالة بجيشه الضخم، ليحاصر غرناطة ويضربها الضربة الأخيرة، وكانت قوى غرناطة ومواردها قد بدّدت في حروب أهلية عقيمة، فلم يغن دفاعها شيئاً أمام القوة القاهرة والقدر المحتوم، فكانت النكبة وكانت الخاتمة المؤسية. ولم يكن موقف أبي عبد الله خلال تلك اللّحظات الحاسمة في مصيره ومصير أمته، سوى موقف الأمير الضعيف المتخاذل، الذي يسعى إلى سلامة نفسه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذلك التراث العريض الذي أصبح