للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعلّق الناقد الغربي الحديث على ذلك بقوله: "لو نفذت العهود (التي قطعت لمسلمي غرناطة) بولاء، لتغير مستقبل إسبانيا كل التغيير، ولتفوّقت المملكة الإسبانية في فنون الحرب والسلم، وتوطّدت قوّتها ورخاؤها. ولكن ذلك كان غريباً على روح العصر الذي انقضى، وأفضى التعصّب والجشع إلى المطاردة والظلم، وأنزلت الكبرياء القشتالية بالمغلوبين ذلّة مروّعة، فاتسعت الهوّة بين الأجناس على كرّ الزمن، حتى استعصى الموقف، وأدّى إلى علاج كان من جرّائه أن تحطّم رخاء إسبانيا" (١).

وأخذت سياسة الإرهاب تجرف في طريقها كل شيء، ونشط ديوان التحقيق ( Inquisition) أو الديوان المقدس، يدعمه وحي الكنيسة وتأييد الملك، إلى مزاولة قضائه المدمّر، وكانت مهمّة هذه المحاكم الكنسية المروعة أن تعمل على حماية الدين (الكثلكة) ومطاردة الكفر والزّيغ بكل ما وسعت، وكان جلّ ضحاياها في البداية من يهود والمسلمين، ثم الموريسكيين أو العرب المتنصرين، وكانت إجراءات هذه المحاكم تنافي كل عدالة وكل قضاء متمدن.

وهكذا فإنه لم تمض أعوام على تسليم غرناطة، حتى بدت نيات السياسة الإسبانية واضحة للمسلمين، وكانت الكنيسة تحاول خلال ذلك أن تعمل لتحقيق غايتها، أعني تنصير المسلمين، بالوعظ والإقناع، ومختلف وسائل التأثير المادية، ولكن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج تذكر، فجنحت الكنيسة عندئذٍ إلى سياسة العنف والمطاردة، وأذعنت السياسة الإسبانية لوحي الكنيسة، ولم تذكر ما قطعت من عهود موكّدة للمسلمين باحترام دينهم وشعائرهم، وكان روح هذه السياسة العنيفة حبران كبيران هما: الكاردينال خمنيس مطران طليطلة، ورأس الكنيسة الإسبانية، والدون ديجوديسا، المحقق العام لديوان التحقيق (٢).


(١) Dr. Lea: The Moriscos. P. ٢٢.
(٢) كان المحقق العام ( General Inquisitor) وهو قاضي قضاة الديوان، يمثل يومئذ =

<<  <  ج: ص:  >  >>