الثورات قد أحرق أو أتلف كثير من الآثار الأدبية والفنية في كثير من البلاد الأوروبية، وأنه لا يمكن مقارنة عمل خمنيس، بما وقع من إحراق مكتبة الإسكندرية (المزعوم) بأمر الخليفة عمر، وأن معظم الكتب العربية قد أخرج من إسبانيا مع الهجرة ومع من هاجر من المسلمين من القواعد الأندلسية المختلفة، وأخيراً أن كثيراً منها قد جمع أيام الملك فيليب الثاني وأودع بقصر الأسكوريال (١). ذلك هو ملخص رسالة المستشرق سيمونيت في الدفاع عن تصرف الكاردينال خمنيس، وهو دفاع يبدو ركيكاً مصطنعاً، إزأء النقد الغربي الحديث، وتطبعه نزعة تحيّز وتعصب واضحة، كما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يأمر بإحراق مكتبة الإسكندرية كما أثبت أكثر من مستشرق منصف، وأصبحت معروفة لدى الغربيين وغيرهم. ويبدو تعصّب وتحيز هذا المستشرق الإسباني واضحاً في كل ما كتب عن الأمة الأندلسية المسلمة، وهو لا يمكن - مهما أسبغ على دراسته من المقارنات - أن يزيل أثر هذه الوصمة المشينة من حياة خمنيس، أو من التاريخ الإسباني.
وما حدث في غرناطة من تنصير المسلمين، حدث في باقي البلاد والنواحي الأخرى، فتنصر أهل البشرات وألمرية وبسطة ووادي آش في العام التالي، أعني في سنة (١٥٠٠ م)، وعمّ التنصير في سائر أنحاء مملكة غرناطة. على أن هذه الحركة التي نظمت لتنصير بقية الأمة الأندلسية، والتي لم تدخر فيها أساليب الوعود والوعيد والإغراء والإكراه، لم تقع دون قلائل واضطرابات عديدة. وكان الإغراء بالتنصير يتخذ أحياناً، شكل هبات ومنح جماعية لبلدة أو منطقة بأسرها، كما حدث بالنسبة لأهل وادي ألكرين (الإقليم) ولنخرون والبشرات، فقد أصدر الملكان الكاثوليكيان مرسوماً في (٣٠ حزيران - يوليه سنة ١٥٠٠ م) بإبراء سائر أهالي النواحي المذكورة، الذين تنصروا أو يتنصرون، من جميع الحقوق والتعهدات المفروضة على
(١) Simonet; ibid. P. ٣, ٨-١٠, ١٧, ١٨, ٢٠-٢٤ and ٣١.