للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن في فجر القرن السادس عشر، وفي قلب أمة مستنيرة، تدين إلى أعظم حدّ بتقدمها، إلى خزائن الحكمة العربية ذاتها". ثم يشير إلى ما ترتب على هذا العمل بقوله: "لقد غدت الآداب العربية نادرة في مكتبات نفس البلد الذي نشأت فيه، وإن الدراسات العربية التي كانت من قبل زاهرة في إسبانيا، حتى في العصور الأقل لمعاناً، انهارت لأنها عدمت عذاء يؤدها، وهكذا كانت النتائج المحزنة للمطاردة التي يراها بعضهم أشد تقويضاً من تلك التي توجه إلى الحياة ذاتها (١).

على أن هذا العمل الذي يثير النقد الغربي الحديث وزرايته، يجد مع ذلك بين العلماء الإسبان من يسوّغه، بل ويمجّده. وقد تولى المستشرق سيمونيت الدفاع عن الكاردينال خمنيس، الذي يصفه بأنه أحد أمجاد الكنيسة الإسبانية، في رسالة عنوانها: "الكاردنال خمنيس دى سيسنيرس والمخطوطات العربية الغرناطية" (٢)، يقول فيها: إن ما قام به الكاردينال من حرق الكتب أمر لا غبار عليه، إذ هو إعدام للشيء الضار، وهو بالعكس أمر محمود، كما يعدم عناصر العدوى وقت الوباء، وإن الملكين الكاثوليكيين قد أمرا بعد تنصير المسلمين أن تؤخذ منهم كتب الشريعة والدين، لكي تحرق في سائر مملكة غرناطة، أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم سواء في الدين أو الشريعة أو كتب الطب والفلسفة والتاريخ أو غيرها إلى قاضي الجهة، وذلك في ظرف خمسين يوماً من تاريخ هذا الأمر، لكي يفحصها القضاة، وتؤخذ منها كتب الدين والسنة، ويرخص القضاة بعد ذلك بحيازة غيرها. ويدافع سيمونيت عن تصرف الكاردينال خمنيس بحماسة ويقول: إن إحراقه للكتب، يمكن أن يقارن بما وقع من أعمال مماثلة خلال الثورات الحديثة، منذ الثورات البروتستانية الإنكليزية والألمانية إلى الثورة الفرنسية، وأنه خلال هذه


(١) Prescott; ibid. P. ٤٥٣-٤٥٤.
(٢) F. Javier Simonce Cardinal Ximenez de Cisneroz Y Los Manuscritos Arabigo-Granadinos.

<<  <  ج: ص:  >  >>