للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفاصيل عن هذه الحوادث والتطورات، ولكنها تكتفي بأن تجمل مأساة تنصير المسلمين في هذه الكلمات المؤثرة: "ثم بعد ذلك دعاهم (أي ملك قشتالة) إلى التنصير، وأكرههم عليه، وذلك في سنة أربع وتسعمائة، فدخلوا في دينهم كرهاً، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبق فيها مَن يقول: "لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله"، إلاّ مَن يقولها في قلبه، وفي خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين، لم يقدروا على الهجرة واللّحوق بإخوانهم المسلمين، قلوبهم تشتعل ناراً، ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان، ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات، فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم، ولا على زجرهم، ومَن فعل ذلك عوقب بأشد العقاب؛ فيالها من فجيعة ما أمرّها، ومصيبة ما أعظمها، وطامة ما أكبرها"، ثم يختتم بقوله: "وانطفأ من الأندلس الإسلام والإيمان، فعلى هذا فليبك الباكون، ولينتحب المنتحبون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، كان ذلك في الكتاب مسطوراً، وكان أمر الله قدراً مقدوراً" (١).

ونقل لنا المقري نبذة من رسالة أخرى يشير كاتبها إلى تنصير مسلمي الأندلس هي: "وتعرفنا من غير طريق، وعلى لسان غير فريق، أن قطر الأندلس طرق أهله خطب لم يجد في سالف الدهر. وذلك أنهم أُكرهوا بالقتل إن لم يقع منهم النطق بما يقتضي في الظاهر الكفر، ولم يقبل منهم الأسر. وكان الابتداء في ذلك من أهل غرناطة، وخصوصاً أهل واسطتها لقلة الناس، وكونهم من الرعيّة الدهماء، مع عدم العصبية بسبب اختلاف الأجناس، وعلم النصارى بأن مَن بقي بها من المسلمين إنما هم أسارى


(١) أخبار العصر (٥٤ - ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>