والتحقيق عن سلامتها ونقائها. وقد ظهرت فكرة التحقيق على العقائد في الكنيسة الرومانية في عصر مبكّر جداً، وبُدىء بتطبيقها منذ أوائل القرن الثالث عشر، فكان البابا يعهد إلى الأساقفة وإلى الآباء الدومنيكيين، في تعقّب المارقين والكفرة ومعاقبتهم. وطبق هذا النظام منذ البداية في إيطاليا وألمانيا وفرنسا. وكان مندوبو البابوية يتجولون في مختلف الأنحاء، لتقصّي أخبار الكفرة والقبض عليهم ومعاقبتهم، وكانت تعقد لذلك مجالس كنسية مؤقتة كانت هي النواة الأولى لمحاكم التحقيق، تعمل حيث يعمل الكفرة والملاحدة، ثم تُحلّ متى تمّت مهمّة مطاردتهم والقضاء عليهم.
ثم أنشئت بعد ذلك مراكز ثابتة لمحاكم التحقيق، أقيم معظمها في أديار الآباء الدومنيكيين والفرنسيسكانيين. ولم تك ثمة في هذه العصور سجون خاصة أو مراكز خاصة لمحاكم التحقيق، وإنما كان يتخذ من أي مكان صالح مركزاً أو سجناً. وكان الأساقفة يتولون رئاسة هذه المحاكم، ولهم سلطة مطلقة. وكانت التحقيقات والمرافعات تجري بطريقة سرية، وتصدر الأحكام على المتهمين نهائية غير قابلة للطعن، وكان يسمح للنساء والصبيان والعبيد بالشهادة ضدّ المتهم وليس له، ويؤخذ الاعتراف من المتهم بالخديعة والتعذيب. وكان التعذيب يعتبر طبقاً للقوانين الكنسية وسيلة غير مشروعة للاعتراف، ولكن البابوية لم تجد بأساً من إقرار هذه الوسيلة. وكانت السجون التي يستعملها ديوان التحقيق مظلمة رهيبة، يموت فيها الكثيرون من المرض والآلام النفسية. وكان السجناء يصفدون عادة بالأغلال الثقيلة، وكانت العقوبات الرئيسية هي السجن المؤبد والإعدام والمصادرة. وكانت السلطات الدينية والبابوية تحصل على أوفر نصيب من الأموال المصادرة، وتحصل السلطات المدنية أيضاً على نصيبها منها. وألفى ديوان التحقيق ميداناً خصباً لمطاردة الألبيين (١) وغيرهم من الملاحدة الذين ظهروا
(١) نسبة إلى: (ألبي)، وهي مدينة بجنوبي فرنسا، وكانت من أهم مراكز هذه الطائفة الملحدة.